أهمّيّة الاستثمارات للعام ٢٠٢٤ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تُعتبر الاستثمارات الجديدة في المنطقة أمرًا بالغ الأهمّيّة، فهي المفتاح لتحفيز النموّ الاقتصاديّ، كما أنّ الاستثمار فيها يوفِّر مجموعة متنوّعة من الفرص. إذ تمرّ بلادنا بمرحلة انتقاليّة نحو اقتصادات أكثر تنوّعًا، والبحث عن توفير بيئة خصبة للابتكار والنموّ. لذلك، التقينا مع البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ لتحدّثنا عن الاستثمارات الجديدة في المنطقة، وأهمّيّة التنوّع الاقتصاديّ فيها.
- ما القطاعات التي يمكن أن تستفيد أكثر من الاستثمارات الجديدة في المنطقة؟ وما مساهمتها في التنمية المستدامة؟
- بما أنّ التنوّع الاقتصاديّ أولويّة، فإنّ الاستثمار في قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات، والطاقات المتجّدِدة، والسياحة، يمكن أن يؤدّي دورًا حاسمًا في الساحة الاقتصاديّة. إذ توفِّر هذه القطاعات إمكانات نموّ قويّة، كما يمكنها أن تساعد في تقليل الاعتماد المفرِط على بعض الصناعات التقليديّة التي لا تضمن ديمومة الاستثمار، والعائدات الماليّة المرجوّة مع تغييرات السوق.
كما يمكن للاستثمار المستدام أن يؤدّي دورًا محوريًّا لا يمكن الاستغناء عنه في التنمية. فمن خلال دعم المبادرات الصديقة للبيئة، يستطيع المستثمرون المساهمة في الحدّ من انبعاثات الكربون والغازات المضرّة بالبيئة، وتطوير مصادر الطاقات النظيفة (الخضراء)، والحفاظ على الموارد الطبيعيّة وتحسين إمكانيّة استثمارها والاستفادة منها، فهي مسائل ضروريّة للتنمية لا على المدى القصير وحسب، بل على المستويات المتوسّطة والطويلة الأمد.
- هل يمكنكِ أن تحدّثينا أكثر عن الفرص المتاحة؟ ما القطاعات المحدَّدة التي ينبغي أن تجذب انتباه المستثمرين؟
- الفرص واسعة ومتعدّدة، وقد اتّخذت الحكومات مبادرات جريئة لتنويع اقتصاداتها، وإتاحة الفرص في قطاعات مختلفة. فهذه القطاعات يمكنها تخفيف الاعتماد التقليديّ على الصناعات الاستخراجيّة. لذلك، فإنّ الانتقال إلى اقتصاد ما بعد النفط يوفّر فرصًا مثيرة للاهتمام. وتعتبر الطاقات المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح، من القطاعات الواعدة في منطقتنا. وبالإضافة إلى ما ذكرت، تزدهر تكنولوجيا المعلومات والشركات الناشئة المبتكرة في المنطقة. كما توفّر السياحة بثرواتها الثقافيّة، والطبيعيّة إمكاناتٍ هائلة. وأخيرًا، يُعدّ قطاع التعليم المزدهر وسيلة استراتيجيّة للمستثمرين الإقليميّين والعالميّين.
كما تكتسي الشراكات الدوليّة أهمّيّة بالغة اليوم، لا سيما في قطاعي التكنولوجيا والطاقة المتجدّدة. فهي توفِّر التمويل، والممارسات الأفضل، والخبرة الأكبر التي يمكنها تسريع النموّ. ومن الممكن أن تساعد عمليات التعاون هذه أيضًا في تعزيز سمعة المنطقة كوجهة استثماريّة جذّابة.
- في نظركِ، ما هي نقاط القوّة والضعف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
- تكمن نقاط القوّة في موقع المنطقة الجغرافيّ الاستراتيجيّ الحاسم، وفي ثرواتها من الموارد الطبيعيّة، وخاصّة النفط والغاز، فضلًا عن القوى العاملة الديناميكيّة الشابّة صاحبة المهارات المتعدِّدة. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم بعض بلدان المنطقة بتنفيذ إصلاحات هيكليّة لتنويع اقتصاداتها، وتحسين مناخ الأعمال. في حين أنّ نقاط الضعف غالبًا ما تشمل الإفراط في الاعتماد على الصناعات الاستخراجيّة، ممّا يجعل الاقتصاد عرضة لتقلّبات أسعار السلع الأساسيّة. كما يمكن للتوتّرات والصراعات الجيوسياسيّة في مناطق معيّنة أن تمنع تنفيذ مشاريع استثماريّة ممكنة. فكلّما كانت المنطقة أوسع استقرارًا وأكثر ملاءمة للاستثمار، كلّما زادت فيها التدفّقات الماليّة القادرة على اجتذابها.
لذلك، بوسع الحكومات العربيّة أن تتّخذ عددًا من الخطوات أو الاجراءات، بما في ذلك تبسيط الإجراءات الإداريّة، والتخلّص من البيروقراطيّة والعمليات الإداريّة المعقّدة، وتقديم حوافز ضريبيّة جذّابة. كما يُعدّ التواصل الشفاف حول فرص الاستثمار والترويج النشط للمنطقة كوجهة استثماريّة استراتيجيّة أمرًا حيويًّا وبالغ الأهمّيّة أيضًا.
- في هذا السياق، هل هناك أيّ مبادرات محدّدة تسلّط الضوء على أهمّيّة الاستثمار في منطقتنا؟
- على الرغم من التحدّيات، تقوم بعض الحكومات بتنفيذ إصلاحات لتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار الأجنبيّ، ممّا يخلق فرصًا فريدة للمستثمرين. وتشهد مبادرات مثل رؤية المملكة العربية السعوديّة ٢٠٣٠، التي تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة، أو خطط التحوّل الاقتصاديّ في دولة الإمارات العربيّة المتحدّة، على التزام دول المنطقة بإيجاد بيئات صديقة للاستثمار. وتوفِّر هذه المبادرات فرصًا كبيرة للمستثمرين الراغبين في العمل في القطاعات الاستراتيجيّة.
لذلك، سيكون من المثير للاهتمام النظر إلى المنطقة من منظور طويل المدى. وعلى الرغم من التحدّيات الحاليّة، توفِّر المنطقة إمكانات نموّ كبيرة، ويمكن لفرص الاستثمار في الاقتصادات التي تمرّ بمرحلة انتقاليّة أن تحقّق عوائد كبيرة.
- هل يمكنكِ أن تعطينا بعض الأمثلة الملموسة لفرص الاستثمار؟
- كما ذكرت سابقًا، إنّ قطاع الطاقة البديلة وقطاع التكنولوجيا قطاعان واعدان، لذا سأشارك هنا بعض الأمثلة. فتستثمر بلدان المنطقة، مثل الإمارات العربيّة المتحدّة، بكثافة في مشاريع الطاقة الشمسيّة وطاقة الرياح. على سبيل المثال، يُعدّ مجمع نور أبو ظبي للطاقة الشمسيّة في دولة الإمارات العربيّة المتحدّة، واحدًا من أكبر المجمّعات في العالم. ويشهد قطاع تكنولوجيا المعلومات ازدهارًا غير مسبوق، حيث ظهرت دول مثل الإمارات العربيّة المتحدّة كمراكز للتكنولوجيا. وتظهر مبادرات لدعم إمكانية النموّ مثل Hub71 في أبو ظبي، التي تدعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.
كما تشهد السياحة أيضًا تحوّلًا كبيرًا. فالمملكة العربيّة السعوديّة، على سبيل المثال، تنفتح على السياحة من خلال مشاريع طموحة مثل مدينة نيوم المستقبليّة. وتعمل مصر أيضًا على مشاريع التنمية السياحيّة لاستغلال تراثها التاريخيّ الغنيّ. أمّا بالنسبة للفرص التعليميّة، فقد أطلقت دولة الإمارات العربيّة المتحدّة مبادرات مثل مركز المعرفة في دبي، بهدف جعل المنطقة مركزًا تعليميًّا عالميًّا. ويتمّ تشجيع الشراكات مع الجامعات الدوليّة، ممّا يتيح فرص الاستثمار في التعليم العاليّ.
وأخيرًا، تشكّل الشراكات الدوليّة أهمّيّة حيويّة. فهي لا تجلب تمويلًا إضافيًّا فحسب، بل الخبرات وأفضل الممارسات القادرة على التعجيل بالتنمية الاقتصاديّة لدول المنطقة. ويعزّز التعاون الدوليّ إيجاد رؤية أوسع عالميًّا، ويعزّز مصداقيّة المنطقة كسوق جذابة للاستثمار.