المرأة العربيّة في الاقتصاد بين التغييب والتحفيز

نُشرت هذه المقابلة في مجلّة البيان الاقتصاديّة، في العدد السنويّ الخاصّ رقم ٦١٧، الصادر في نيسان ٢٠٢٣. لقراءة المقابلة في المجلّة، اضغط هنا.

مع ازدياد اهتمام العالم العربيّ بدور المرأة الفاعل، ومساهمتها في الحوكمة الرشيدة، توقّفنا مع البروفيسورة ندى الملّاح البستانيّ لتحدّثنا عن دور المرأة العربيّة في المجالات الاقتصاديّة، وكذلك رسالتها الّتي تقدّمها في لبنان والعالم في الحقول الأكاديميّة والتربويّة والعلميّة، من أجل تمكين المرأة العربيّة عمومًا واللبنانيّة خصوصًا، في ظلّ بلدٍ يعاني من أزمة اقتصاديّة قاسية، ويحتاج إلى جميع مكوّنات المجتمع للنهوض به من جديد، وبوجه التحديد المرأة الّتي تستطيع بحكمتها أن تُضاعف الدور الإيجابيّ لتدخّلها في الأسرة، وميادين العمل، والسياسة إلى حدٍّ بعيد.


- تعرف المرأة اللبنانيّة حضورًا لافتًا في المجتمع العربيّ، وهناك سفيرات في الميادين كافة، لكن هل ينطبق على أرض الواقع ما نشاهده في وسائل الإعلام؟ أم أنّ ثمّة نقصٌ ما عمليًّا؟

- تشهد قيادة المرأة في المجتمع ودخولها المعترك السياسيّ والاقتصاديّ صعوبات جمّة، ففي السياسة عامةً ثمّة نقصٌ في تمثيلها في البرلمانات العربيّة، وكذلك في المناصب القياديّة، وهذا الواقع ينسحب على القطاعات الاقتصاديّة العامّة منها والخاصّة كذلك، على الرغم ممّا تثبته المرأة العربيّة من حسن قيادة وفاعليّة في التغيير. ويمكن تصنيف هذه الصعوبات ضمن المسائل الهيكليّة القانونيّة-المؤسّساتيّة، أو الصعوبات الناجمة عن الافتقار إلى الوسائل، كالتدريب، والتواصل، وتوافر الفرص. لذلك، لا يكفي وجود عامل معيّن، بل تكاملها معًا. فمثلًا، لا ينفع أن تُدافع منظّمات المجتمع المدنيّ عن حقوق المرأة في ظلّ بنية مؤسّساتيّة غير ملائمة. كذلك، قد يبدو التوزيع العادل للمراكز بين الجنسين أمر كافٍ، لكن لا يمكن تفعيل دور المرأة بتكافؤ رقميّ وحسب، فالمطلوب الاعتماد على المؤهّلات والكفاءات في المقام الأوّل والأخير.

ما دور المرأة الاقتصاديّ-الاجتماعيّ؟ وأيّن تظهر أولويّات التغيير؟ 

- في لبنان مثلًا، يصعُب الحصول على معلوماتٍ دقيقة عن مشاركة المرأة في مجالات العمل، على الرغم من وجود تقارير تشير إلى أن المرأة تشكّل نحو ٢٢٪ من القوى العاملة. لكنّ الأرقام كما ذكرت لا تعكس الصورة الكاملة، إذ أنّ غالبية النساء العاملات من الشابات، ومعظمهنّ يتركن وظائفهنّ بعد الزواج أو الإنجاب. كما يملن إلى القبول بالوظائف ذات الأجور الأقلّ، وقليلات منهنّ يشغلن المناصب الإداريّة. من دون أن ننسى الفجوة الكبيرة في الأجور بين الجنسين. هكذا، تمثّل المرأة شريحة غير مستغلّة من اليد العاملة اللبنانيّة، على رغم أهليتها الأكاديميّة والمهنيّة. وبالطبع، فإنّ مشاركة المرأة في سوق العمل تعود بالفوائد على الاقتصاد الجزئيّ والكلّيّ. 

بالتأكيد، ليست الصورة العامّة المستقبليّة بسوداويّة، إذ ارتفعت نسب حصول الفتيات على المؤهّلات العلميّة والجامعيّة في البلدان العربيّة كافّة. لذلك تُعتَبر هيئات التعليم العالي والمهن الأكاديميّة حوافز تقود المرأة نحو صعود الهرم الاقتصاديّ-الإداريّ، من الاستثمار في تعليم الفرد إلى التطوّر في الشأن الاجتماعيّ، ثمّ الحصول على الدرجات الجامعيّة العُليا، حتّى الكفاية المهنيّة لتولّي المناصب الإداريّة المهمّة.

هل من عوامل أُخرى "داخليّة" تحدّ المرأة من تأدية دورها القياديّ في المجتمع؟  

- يُعدّ توزيع المهام داخل الأُسرة أحد العوامل الّتي تُحدّد أولويّات المرأة، ويقلّص من فرصها في المجالات الاقتصاديّة وسوق العمل، إذ أنّ بنية المجتمع العربيّ ذكوريّة في تركيبتها، فيُعدّ الرجل مركز الأسرة، والمجتمع، والمؤسَّسة. في حين تحاول النساء تحقيق التوازن بين متطلّبات الوظيفة، والأسرة والأعمال المنزليّة. في هذه الظروف، نجد أنّ الخيار الأوّل الّذي يتمّ التضحية به هو النشاط الاقتصاديّ والاستثمار وريادة الأعمال. فمن النادر أن نجد امرأة تهتمّ بهذه الشؤون ذات مؤهّلات تعليميّة عالية، وتتمتع بوضع ماليّ وعائليّ يسمح لها بالمشاركة الفاعلة الحقيقيّة.

وكيف برأيك يمكن تخطّي هذه العقبات، هل من حلول؟  

- أؤمن أنّ بناء مجتمعات أكثر إنصافًا وشموليّة أحد التحدّيات الرئيسيّة الّتي علينا البحث في سُبل تخطّيها، ويكمن الحل في تطوير اقتصاداتنا وضمان الازدهار المشترك بين الدول كافّة. كما أنّ تعزيز مشاركة المرأة في المجالات الاقتصاديّة والسياسيّة، والعمل على تحقيق مزيد من المساواة، هو أحد ركائز الاقتصاد السليم. فوفقًا لأهمّ هيئات الاستشارات الإداريّة، تحقّق الشركات الّتي تضمّ عددًا أكبر من النساء في المناصب العُليا ربحيّة وكفاءة أكبر.

ما الّذي تنتظره الحكومات من مساهمات تقوم بها المرأة للخروج من حالة الأزمات الاقتصاديّة في مجتمعاتنا؟  

- برأيّ يجب أن يتوازى تمكين المرأة مع ثقتها بنفسها وتعزيزها لقدراتها لكي ترتقي لتولّي المناصب القياديّة في القطاعين العام والخاصّ. فتعزيز مشاركة المرأة في الاقتصاد، ودعمها وإنتاجيّتها سيؤدون دورًا حاسمًا في القدرة التنافسيّة ونموّ اقتصاد الدول العربيّة. لذلك، نحن في حاجة إلى مراجعة أنظمتنا القانونيّة والتنظيميّة وإصلاحها، لكي تتمكّن النساء أنفسهنّ من الاستفادة من النطاق الكامل للخدمات الماليّة المقدّمة.

ختامًا، ما تطلّعاتكِ كونك امرأة عربيّة ذات دور رياديّ في المجتمع؟  

- أرى أنّ العالم العربيّ لا بُدّ من أن يُعاد تأسيسه على مبدَأي الاندماج والمشاركة. وستتطلّب هذه التغييرات إرادة وطنيّة قويّة، بما فيها من التغييرات الثقافيّة والسلوكيّة الضروريّة، وستتطلب مقدارًا لا بأس به من الإرادة في شرائح المجتمع كافّة، وفوق كلّ شيء من المرأة نفسها. ويتطلّب الأمر قيادة مشتركة بين الحكومات، والمجتمع المدنيّ، والقطاع الخاصّ بما فيه من شركات كبيرة ومتوسّطة، ومبادرات رياديّة، والمشاريع المبتكرة. وتُثابر في نهج تمكين المرأة العربيّة. وعلينا بدورنا نحن النساء العربيّات، أن نواصل كفاحنا لمصلحة مجتمع أكثر عدالة لقضيّتنا.

هكذا عندما تُطبّق التدابير الّتي تهدف إلى القضاء على الانحياز القائم على "الجندرة" المتغلغلة في النظام التعليميّ، والثقافيّ، والمؤسّساتيّ، والاقتصاديّ وغيره، ومكافحتها خصوصًا في الحياة الاقتصاديّة، نُعزّر مكانة المرأة العربيّة بالقيمة المضافة الّتي تقدّمها في سوق العمل ودورها المحوريّ في دفع عجلة الاقتصاد قُدمًا.