الرفاهيّة الماليّة... تحقيقها واستدامتها

نُشرت هذه المقابلة في مجلّة البيان الاقتصاديّة، العدد ٦٢٦، كانون الثاني ٢٠٢٤. لقراءة المقابلة في المجلّة، اضغط هنا.

تعدّ الرفاهية الماليّة جانبًا مهمًّا لحياة مُرضية وبعيدة عن التوتّر. فهي لا تنطوي على تراكم الثروة فحسب، بل تشمل إدارة الموارد لضمان الاستقرار والأمن على المدى الطويل. لذلك، قابلنا البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ لتحدّثنا عن المسائل الرئيسيّة المتعلّقة بالرفاهيّة الماليّة، وتقدّم إلينا رؤى عن كيفيّة الوصول إليها والحفاظ عليها. 

- أوّلًا، ماذا نعني بالرفاهيّة الماليّة؟

- هي حالة تتجاوز مجرّد الحصول على دخل مرتفع أو تكديس الثروة. فتشمل نهجًا شاملًا لإدارة الشؤون الماليّة، وضمان الاستقرار، والأمن، والرضا. كما تتضمّن القدرة على تلبية الاحتياجات الماليّة الحاليّة والمستقبليّة، والتعامل مع النفقات غير المتوقّعة، واتّخاذ الخيارات التي تحقّق الأهداف الماليّة على المدى القصير والطويل. فهي طريقة متكاملة تشمل الميزانيّة، والادّخار، والاستثمار، وحماية الأصول.

- كيف يمكنني تقييم وضعي الماليّ الحالي؟ وكيف تساهم الميزانيّة والتخطيط في الرفاهيّة الماليّة؟

- ابدأ بإنشاء لمحة شاملة عن وضعك الماليّ. يتضمّن ذلك حساب صافي ثروتك، ومعرفة دخلك ونفقاتك الشهريّة، وتحديد أيّ ديون مستحقّة. يُعدّ تحليل عاداتك الماليّة وتحديد مجالات التحسين أمرًا مهمًّا في التقييم. استخدم أدوات مثل تطبيقات إعداد الميزانيّة أو جداول البيانات لتتبّع التدفّقات الماليّة الواردة والخارجة نظرًا لأنّ إعداد الميزانيّة أداة أساسية لإدارة أموالك بفعّالية. يساعد إنشاء الميزانيّة الأفراد على تتبّع الدخل، والنفقات، وأهداف الادّخار. فيساعدك على تخصيص الموارد بحكمة، وتحديد أولويّات الإنفاق، والادّخار لتحقيق الأهداف المستقبليّة. ويتضمّن ذلك تصنيف النفقات، والتمييز بين الاحتياجات والرغبات، ووضع خطّة للادّخار، ومراجعة ميزانيّتك، وتعديلها بانتظام كي تَظلّ متوافقة مع أهدافك وظروفك الماليّة. وبالتخطيط وتحديد أولويّات الإنفاق، يمكنك تجنّب الديون غير الضروريّة، وإنشاء صندوق للطوارئ، والعمل على تحقيق الأهداف الماليّة طويلة الأجل.

- ما الاستراتيجيّات الفعّالة لإدارة الديون؟

يمكن أن تشكّل الديون ذات الفائدة المرتفعة عائقًا كبيرًا أمام الاستقرار الماليّ. فإعطاء الأولويّة لسداد الديون، والتفاوض بشأن أسعار الفائدة، واستكشاف خيارات الدمج، تُعدّ خطوات رئيسيّة للتخلّص من الديون. كما يجب أن يبدأ الفرد بوضع خطّة سداد وتجنّب تراكم ديون جديدة، والتركيز على سداد الأرصدة الحالية لتحرير الموارد الماليّة للمدّخرات والاستثمارات.

- كيف يساهم الادّخار في تحقيق الرفاهيّة الماليّة على المدى الطويل؟ 

- لا يقتصر الادّخار على وضع المال جانبًا فحسب؛ بل يتعلّق ببناء الثروة بمرور الوقت. سواء كان الادّخار من أجل التقاعد، أو التعليم، أو الأحداث الحياتيّة الكبرى، فإنّ الادّخار المستمرّ، والاستثمار الاستراتيجيّ يلعبان دورًا حاسمًا في تحقيق الأهداف الماليّة طويلة المدى. كما يمكن أن تعمل الفائدة المركّبة لصالحك عندما تبدأ بالسداد مبكّرًا، وتلتزم بالادّخار، إذ يتطلّب التخطيط للأهداف طويلة المدى اتّباع نهج منضبط. كما عليك تقدير احتياجاتك التقاعديّة، واستكشاف خيارات الاستثمار، كخطط وحسابات التقاعد. 

- هل الاستثمار ضروريّ للرفاهيّة الماليّة؟ وما استراتيجيّات الاستثمار التي تدعمها؟

- يلعب الاستثمار دورًا حاسمًا في تراكم الثروة وتحقيق الأهداف الماليّة. على الرغم من بعض المخاطر، إلّا أنّ استراتيجيّة الاستثمار المدروسة يمكن أن تؤدّي إلى نموّ ماليّ طويل الأجل. كما يساعد تنويع الاستثمارات عبر فئات الأصول المختلفة، مثل الأسهم والسندات والعقارات، على توزيع المخاطر وتحسين العوائد. كذلك، يمكن للتشاور مع مستشار ماليّ تقديم إرشادات شخصيّة. ويُنصح بمراجعة المحفظة الاستثماريّة وتعديلها بانتظام لتتوافق مع الأهداف الماليّة المتغيّرة، وظروف السوق.

- كيف يمكن للتأمين المساهمة في الأمن الماليّ؟

- يوفّر التأمين الحماية ضدّ الأحداث غير المتوقّعة. فالتأمين الصحيّ، والتأمين على الحياة، وعلى الممتلكات يحمي الأفراد والعائلات من النكسات الماليّة الكبيرة. وتضمن التغطية الكافية عدم عرقلة الأحداث غير المتوقّعة للخطط الماليّة طويلة الأجل.

- هل تحقّق المعرفة الاقتصاديّة الرفاهيّة الماليّة؟

- إنّها المفتاح لاتّخاذ قرارات مستنيرة بشأن أموالك. فالمعرفة بالمفاهيم الماليّة الأساسيّة، واستراتيجيّات الاستثمار، والتوجّهات الاقتصاديّة أمرٌ أساسيّ. وذلك ممكن بمتابعة ورش العمل، أو الدورات عبر الإنترنت، أو قراءة الكتب. فكلّما كنت أكثر اطّلاعًا، كلّما أصبحت مجهّزًا بوجهٍ أفضل للتعامل مع تعقيدات التمويل الشخصيّ، واتّخاذ القرارات التي تتماشى مع رفاهيّتك الماليّة.

- ما الممارسات الماليّة الشائعة في المنطقة العربيّة التي تساهم في الرفاه الماليّ؟

- غالبًا ما تتميّز بممارسات ادّخاريّة قويّة متجذّرة بعمق في التقاليد الثقافيّة. تعطي العائلات الأولويّة للادّخار من أجل الأحداث الحياتيّة المهمّة مثل الزفاف، والتعليم، وتملّك العقارات. تؤكّد مبادئ الخدمات المصرفيّة الإسلاميّة السائدة في المنطقة على ترتيبات تقاسم الأرباح، وتحظُر الربا، لجعل الممارسات الماليّة متوافقة مع الشريعة الإسلاميّة. أمّا الاستثمار العقاريّ فهو استراتيجيّة شائعة أُخرى، ويُنظر إليه على أنّه استثمار طويل الأجل مستقر، ومفضّل ثقافيًّا. بالإضافة إلى ذلك، تلعب شبكات دعم الأسرة القويّة دورًا حاسمًا، حيث تقدّم العائلات المساعدة الماليّة في أوقات الحاجة، ممّا يعزِّز الشعور بالأمان الماليّ والرفاهيّة.

- كيف تؤثّر التكنولوجيا على الرفاهيّة الماليّة في المنطقة العربيّة؟

- ثمّة تحوّل سريع نحو الخدمات الماليّة الرقميّة. فأصبح اعتماد الخدمات المصرفيّة عبر الهاتف المحمول، والمحافظ الرقميّة، وأنظمة الدفع عبر الإنترنت، واسع الانتشار، خصوصًا في المناطق ذات البنية التحتيّة المصرفيّة المحدودة. ويسهِّل هذا التحوّل نحو الشمول الماليّ الرقميّ المعاملات الماليّة بشكل أسهل، وأكثر كفاءة. علاوة على ذلك، تستفيد الحكومات، والمؤسّسات الماليّة من التكنولوجيا لتنفيذ برامج التثقيف الماليّ، وتزويد الأفراد بالمعرفة والمهارات اللازمة لاتّخاذ قرارات ماليّة مستنيرة. ويتأثّر صعود ريادة الأعمال في المنطقة أيضًا بالتكنولوجيا، حيث تدعم الحكومات الشركات الرقميّة الناشئة، والشركات الصغيرة، ممّا يعزز التنوّع الاقتصاديّ والتمكين الماليّ الفرديّ. 

ختامًا، يتطلّب تحقيق الرفاهيّة الماليّة اتّباع جميع الأمور الاستباقيّة، والاستراتيجيّة، والمعرفيّة التي ذكرناها لإدارة أموالك. ولا ننسى أنّ الرفاهيّة الماليّة لا تتعلّق بمقدار المال الذي تملكه وحسب، بل براحة البال التي تأتي من اتّخاذ قرارات ماليّة مستنيرة واستراتيجيّة.

.