وسائط التَّواصل الاجتماعيّ وتوجيه السُّلوكيَّات الواقعيَّة والافتراضيَّة
مقدّمة
أصبحت سلوكيَّاتنا ترتبط بالإعجاب، والمشاركة، والمتابعة، والتَّغريد، في عصرٍ أصبحت فيه وسائط التَّواصل الاجتماعيّ جزءًا لا يتجزَّأ من حياتنا اليوميَّة، إذ ظهرت إمبراطوريَّات افتراضيَّة عابرة للقارَّات، كفيسبوك وتيك توك، الَّتي تعرف أكثر من مليار مستخدم نشِط في الشَّهر. وفي هذا المشهد، لا يمكن لأيِّ شخص أن يتجاهل استخدام هذه الوسائط، فيبلغ عدد روَّادها ٤,٧ مليار مشترك، وهذا ما يُقارب ٥٩٪ من سكَّان الأرض، و٧٥,٥٪ ممَّن أتمُّوا الـ ١٣ عامًا، يقضون حوالى ساعتين ونصف معدَّلًا يوميًّا، مستخدِمين أكثر من ٧ منصَّات اجتماعيّة، وقد وصلت نسبة مستخدِمي وسائط التَّواصل الاجتماعيّ من مستخدِمي الإنترنت ٩٣٪[1].
تبرز وسائط التَّواصل الاجتماعيّ أداةً حيويَّة لأنواع مختلفة من الاتِّصالات، وهي مجهَّزة بالقدرة على نشر المعلومات، وتوجيه الرَّأي العامّ، وتواصُل الأفراد والمجتمعات أبعد من الحدود الجغرافيَّة والتَّقليديّة، وهي بحدِّ ذاتها أداة مشاركة نشطة جدًّا. وتُشير وسائط التَّواصل الاجتماعيّ إلى وسائل التَّفاعل بين الأشخاص، حيث يُنشئون، ويشاركون، ويتبادلون المعلومات والأفكار في مجتمعات، وشبكات افتراضيَّة. كما يعرِّفها أندرياس كابلان ومايكل هاينلين على أنَّها: "مجموعة من التَّطبيقات الَّتي تعتمد على الإنترنت، والمبنيَّة على الأُسس المعلوماتيَّة، والتِّكنولوجيَّة للجيل الثَّاني من الشَّبكات العنكبوتيَّة، والَّتي تسمح بإنشاء المحتوى الَّذي ينشئه المستخدِم ويتبادله"[2].
علاوة على ذلك، يشارك الأفراد والمجموعات في إنشاء المحتوى ومناقشته وتعديله، وهو ما يُدخِل تغييرات جوهريَّة وشاملة على التَّواصل بين المنظَّمات، والمجتمعات، والأفراد. وكذلك، تُقدِّم العديد من الكلِّيَّات والجامعات المرموقة، مثل هارفارد وجونز هوبكنز، وستانفورد، صفوفًا عن أفضل ممارسات وسائط التَّواصل الاجتماعيّ، وإعداد طلَّابها للمهن المستحدثة الَّتي تقوم على الاستراتيجيَّات الرَّقميَّة. فإلى أين يتَّجه عالمنا الملموس اليوم وهو على أبواب العالم الافتراضيّ؟ وكيف لهذه الوسائط أن تكون بنَّاءة لسلوكيّات أفضل وأشدّ عدالة؟ سنعرض في هذه المقالة أسباب نموّ هذا العالم الافتراضيّ، وتأثيراته في المجتمع ونوعيَّة التَّواصل، ونفتح نافذة بما يخصّ مستقبل وسائط التَّواصل هذه.
١. أسباب تنامي استخدام وسائط التَّواصل الاجتماعيّ
في بلدان العالم أجمع، ينمو مستخدِمو هذه الوسائط بوتيرة متسارعة مع توفُّر الاتِّصال واسع النِّطاق وهواتف محمولة بأسعار أرخص. فتعمل على تغيير ملامح التَّفاعل الاجتماعيّ التَّقليديّ، وما تحمله من مشاعر، مثل الحبّ، والصَّداقة، والتَّرابط الأُسريّ، واللُّغة، وغيرها. ولم تحظَ أيُّ وسائط أُخرى بشعبيَّة كبيرة في مثل هذه الفترة القصيرة من قبل. ويعود السَّبب إلى سهولة الاستخدام، واتِّصال أفضل، وبساطة الوصول إلى التَّطبيقات، وغيره. والسُّؤال المطروح هنا، لماذا يشهد العالم قاطبًا، وحتَّى الدُّول ذات الاقتصادات المتعثِّرة أو النَّامية، هذا النُّموّ الهائل في قطاع الاتِّصالات؟ قد يكمن السَّبب في التَّغييرات أو الإضافات الَّتي أدخلتها وسائط التَّواصل الاجتماعيّ على الأفراد والمجتمع[3]:
أ. في سوق العمل: توجِد وسائط التَّواصل أبعادًا جديدة للأعمال. لا يقتصر الأمر على بيع الهواتف الذَّكيَّة، بل أصبح يضمّ السُّوق شركات تطوير التَّطبيقات، ومقدِّمي خدمات الإنترنت، والقطاعات الأخرى ذات الصَّلة.
ب. في التَّعليم: توفِّر وسائط التَّواصل طريقة فريدة لتحسين جودة التَّعليم عن طريق التَّفاعل. فقد أصبح استخدام الإنترنت جزءًا من حياة كلّ طالب. فالإنترنت مع الهواتف الذَّكيَّة - يوفِّران قناة بديلة لتقديم خدمات التَّعليم التَّقليديّ ومِن بُعد، وهذا ما أنقذ العمليَّة التَّربويّة في ظلّ جائحة كوفيد-١٩، وغيَّر مفاهيم تربويَّة عدَّة بوجهٍ لا يمكن الرُّجوع عنه[4].
ج. في الصِّحَّة الجسديَّة: كثيرًا ما يتمُّ الترَّكيز على الجانب السَّلبيّ لوسائط التَّواصل الاجتماعيّ، لكنَّ ثمَّة وجه إيجابيّ بما يتعلَّق بصحَّة المرء، إذ تزداد يومًا بعد يوم التَّطبيقات الصُّحِّيَّة، وأصبحت المعلومة الصُّحِّيَّة، الوقائيَّة وحتَّى العلاجيَّة من أهمِّ المصادر الموثوقة والعلميَّة بمتناول الجميع. كما يُتاح اليوم العديد من التَّطبيقات لتتبُّع التَّمارين الرِّياضيَّة، والنِّظام الغذائيّ السَّليم، وغيرها.
د. في الصِّحَّة النَّفسيَّة: كذلك، ثمَّة أثر إيجابيّ على الصِّحَّة النَّفسيَّة، فوسائط التَّواصل تقلِّل من التَّوتُّر في حياة العمل المزدحمة. وثمَّة أثر إيجابيّ في البقاء على تواصل مع الأشخاص الَّذين يقدِّمون الدَّعم، مثل أفراد العائلة، والأصدقاء.
هـ. في المجتمع: لقد تغيَّرت الحياة الاجتماعيَّة بشكلٍ كبير مع دخول الهواتف الذَّكيَّة حياتنا. وتؤدِّي اليوم وسائط التَّواصل الاجتماعيّ دورًا مهمًّا في عمليَّة اندماج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصَّة، وكبار السِّنّ.
٢. تغيير أنماط التَّواصل
عندما ظهر التّلفزيون تراجع الإقبال على الإذاعة والرَّاديو. يوضّح هذا المثل أنَّه كلَّما وصلت وسيلة جديدة، فإنَّها تؤثِّر على أنماط الاتِّصال والتَّواصل في المجتمع عبر تاريخ الاتِّصالات وابتكاراتها. واليوم، قد غيَّرت وسائل التَّواصل الاجتماعيّ طرائق عيشنا وتفاعلنا مع ذواتنا ومحيطنا، على النَّحو الآتي:
أ. التَّواصل مع الذَّات: أصبحت وسائل التَّواصل الاجتماعيّ أداة مهمَّة للتَّعبير عن الذَّات وتقديمها. فما نعتقد أنَّه مهمّ ننقله إلى الآخرين. سواء كانت حفلة عيد ميلاد، أو نزهة، أو سلعة نشتريها. يبني هذا التَّعبير صورتنا في عيون الآخرين، وفيه شوائب نرجسيَّة. إذ نريد أن نقدِّم أفضل حياة بغضِّ النَّظر عن الواقع، فنحن نواصل نشر الصُّور الحقيقيَّة، أو تلك الَّتي تمَّ تعديلها أو تحريرها لأنفسنا ومحيطنا. إنَّ الرَّغبة في نشر التَّعليقات والتَّحقُّق منها بعد كلّ لحظة تجعل كثيرين مدمنين على وسائل التَّواصل الاجتماعيّ. فعندما يرى شخص ما أنَّ الآخرين سعداء جدًّا على إحدى وسائط التَّواصل الاجتماعيّ، فإنَّه يجد حياته بائسة لأنّ معيار السَّعادة الَّذي يصوِّره الآخرون غير ممكن لديه.
من ناحية أُخرى، تدعم العديد من الأبحاث حقيقة أنَّ الإفراط في استخدام الإنترنت للحصول على المعلومات يؤدِّي إلى انخفاض في الإبداع والتَّركيز وأصالة الفكر. فبينما يعمل الإنترنت على تحسين قدرتنا المعرفيَّة، فإنَّه يقلِّل من قدرتنا الفكريَّة على التَّركيز والتَّحليل. يجعلنا الإنترنت تدريجيًّا غير قادرين على القراءة، وتخصيص ساعات طويلة من التَّركيز الفكريّ[5].
ب. التَّواصل بين الأفراد: تمّ إنشاء وسائط التَّواصل الاجتماعيّ للتَّفاعل الاجتماعيّ وهي تخدم غرضها بالكامل. لقد أتاح الاتِّصال بشكل أسرع وأرخص وفي أيّ وقت وفي أيّ مكان. إنَّ هذه الميزة بالذَّات الَّتي تبدو مفيدة أصبحت مشكلة في التَّواصل بين الأشخاص. إذ يؤدِّي الهوس المفرط بالتَّحديث في العالم الافتراضيّ إلى "عدم التَّواصل" في العالم الحقيقيّ. ففي معظم الأوقات، ينغمس مستخدِمو الإنترنت كثيرًا في اتِّصالاتهم الافتراضيَّة ولا يكادون يجدون وقتًا للتَّحدُّث مع الأشخاص القريبين والعزيزين الموجودين في محيطهم. في عالم الإفراط في التَّواصل، نتحرَّك بعيدًا من العالم الحقيقيّ، ونعيش عالمًا افتراضيًّا بهويَّات وهميَّة في بعض الأوقات. كما نستبعد أولئك الَّذين لا يستخدمون وسائط التَّواصل الاجتماعيّ بسبب نقص معرفتهم أو عدم مقدرتهم.
إنَّ ما ذُكر لا يؤثِّر فحسب في كميَّة الاتِّصال ونوعيَّته، ولكنَّه يؤثِّر أيضًا في نوع اللُّغة الَّتي نستخدمها في تواصلنا الكتابيّ الرَّسميّ وغير الرَّسميّ. إذ يمكن للمرء على منصَّة تويتر نشر رسائل بعدد محدود من الحروف، وقد ابتكر مستخدِمو الإنترنت مجموعة متنوِّعة من الاختصارات، ممَّا يؤثِّر على لغة الجيل الحاليّ بطرائق مختلفة. وقد بدأ الطُّلَّاب في استخدام هذه الاختصارات في أوراق إجابات الامتحانات الخاصَّة بهم، وقد نسي الكثير منهم التَّعابير الفعليَّة لتلك المفردات.
ج. التَّواصل الجماعيّ: في الماضي، لم يكن يتعدَّى متوسِّط عدد الأصدقاء ١٥إلى٢٠ فردًا نتواصل معهم بانتظام، ولكن مع تطوُّر وسائط التَّواصل الاجتماعيّ، أصبح عدد "الأصدقاء" الَّذين يمكنهم أن يحصلوا على أخبارنا إلى مئات. فما كان يتمّ مشاركته في الدَّائرة المصغَّرة بين الأصدقاء، يُكشف على الفور للعموم. وفي حين تمَّ الحفاظ على العلاقات السَّابقة في سرِّيَّة، أصبحنا نشهد إعلان ارتباط وانفصال علاقات على منصَّات التَّواصل الاجتماعيّ. وفي حين كان هذا الأمر مصدر إحراج في مجتمعاتنا، بات اليوم يُعلن عنه ببساطة. كما أنَّ مفهوم التَّواصل بين الأشخاص تغيَّر بوجهٍ جذريّ عندما يتمّ إنشاء مجموعات تُوصِّل المعلومات بوجهٍ عموميّ.
د. التَّواصل المستهدِف: يتواصل السَّياسيُّون اليوم بوجهٍ فعَّال مع الشَّبيبة عبر الإنترنت. وهُم ليسوا مستخدِمين نشيطين لمواقع التَّواصل الاجتماعيّ فحسب، بل أصبحوا يمتلكون فريقًا محترفًا يعزِّز من قدرتهم ويستفيدون من الوسائط الجديدة، وكيفيَّة استخدامها لصالحهم في مسعاهم لتوجيه رأي الجماهير. فتغريدة معيّنة، ممكن أن تقضي على مستقبل سياسيٍّ ما، أو ترفع من حظوظه فوزه في حملة انتخابيَّة. إذ فهم السِّياسيُّون أهمِّيَّة الحضور على وسائل الإعلام الجديدة، فجميع الأحزاب السِّياسيَّة والقادة لديهم صفحاتهم على المنصَّات الاجتماعيّة.
هـ. التَّواصل الجماهيريّ (الصِّحافة التَّقليديَّة): بالمقارنة مع عصر الاتِّصال الجماهيريّ الَّذي يزيد عمره عن أربعة قرون، فإنَّ وسائل التَّواصل الاجتماعيّ ما زالت في بداية عهدها، على الرُّغم من حقيقة أنَّها تؤثِّر في وسائل الإعلام التَّقليديَّة في كلِّ جوانبها: التَّنسيق، والمحتوى، والتَّعاطي مع الخبر، واللُّغة. مع ذلك، تراقب معظم الصُّحف الكبرى والقنوات التّلفزيونيَّة والإذاعيَّة محتوى مواقع التَّواصل الاجتماعيّ، للحصول على آخر التَّحديثات في جميع أنحاء العالم. فتحديث المعلومات على مدار السَّاعة طيلة أيّام الأسبوع يُضفي جوًّا هائلًا من المنافسة لوسائل الإعلام التَّقليديَّة. على الرُّغم من تصاعد تلك المنافسة، فإنَّ وسائل الإعلام الجديدة والتَّقليديَّة تتكافل للوصول إلى الجماهير، وتعزيز رسائل التَّواصل الموجَّهة بحسب الجمهور المستهدَف.
٣. مستقبل وسائل التَّواصل الاجتماعيّ
لطالما اتُّهِمت وسائل الإعلام التَّقليديَّة بعدم إعطاء مساحة لقرَّائها وجمهورها. أمَّا اليوم، فأيُّ شخص يعرف كيفيَّة استخدام الإنترنت يمكنه التَّعبير عن أفكاره، فعلى صوت المجموعات المهمَّشة عرقيًّا، وجنسيًّا، وثقافيًّا، إلخ... وهي لا تستفيد من المنصَّات للتَّعبير عن آرائها فحسب، بل أيضًا تجد المؤيِّدين لها على اختلاف تلك المنصَّات وتنوُّعها.
كما يُحدِّد الزَّخم الإعلاميّ الَّذي ولَّدته مواقع التَّواصل الاجتماعيّ جدول أعمال الوسائط التَّقليديَّة، فبعد أن كانت وسائل الإعلام تجمع البيانات من استطلاعات الرَّأي، أصبحت جاهزة الآن للتَّعامل مع أحدث البيانات من شبكات التَّواصل الاجتماعيّ الَّتي يمكن استخدامها على الفور. كذلك، باتت هذه الوسائط ترتبط بالرِّبح المادِّيّ ورؤوس الأموال ارتباطًا عضويًّا، ويسعى مطوِّروها إلى إيجاد الخوارزميَّات، والطَّرائق المبتكرة لجعل الإعلانات أشدَّ تأثيرًا في الجمهور الَّذي يزداد تمرُّسًا في استخدام التِّكنولوجيا الحديثة.
وفي حين اعتُبِرت وسائل الإعلام رقيبًا على المجتمع. تؤدِّي وسائل الإعلام الجديدة دور "الحارس على الرَّقيب"، بمعنى أنّه عندما لا يجد ما يُثير الجدل مساحةً في وسائل الإعلام التَّقليديَّة، يتعيَّن على شخصٍ ما من الجمهور العامّ على مواقع التَّواصل الاجتماعيّ، أو المدوِّنات الصَّغيرة، ووسائل الإعلام الإضاءة عليه وتغطيته. وهذا ما حصل في معظم الثَّورات المنصرمة في بقاع مختلفة من العالم. كما واجهت حكومات دول مختلفة مثل الهند والصِّين وإيران انتقادات لسيطرتها على وسائل التَّواصل الاجتماعيّ.
من ناحية أُخرى، على الرُّغم من تسجيل أكثر من ملياري مستخدِم على مواقع التَّواصل الاجتماعيّ، إلَّا أنَّ هذا النُّموّ والازدهار قد ينعكس إلى انحصار مثلما حصل مع بعض المنصَّات الَّتي انقرضت بعد ازدهارٍ معيَّن، والأمر قد يحدث لأشهَر المنصَّات الاجتماعيَّة كالفيسبوك، إذ أصبح عبئًا اجتماعيًّا لدى الشَّبيبة أكثر من كونه موقع تواصل. هكذا، فَقَد فيسبوك بُعدًا ديموغرافيًّا مهمًّا، بعد أن كان يغذِّي نجاحه لفترة طويلة. اليوم، يتخلَّى المراهقون بشكل متزايد عنه، ويتَّجهون إلى إنستغرام وتيك توك، حيث يميلون إلى التَّمتُّع بمزيد من الخصوصيَّة. وليست تلك المنصَّات بمأمن من تبعيَّتها للجمهور الَّذي يُضفي عليها قيمتها، وقوَّتها الاجتماعيَّة، والاقتصاديَّة، والسِّياسيَّة.
كذلك، مع الاستخدام الكبير لوسائط التَّواصل الاجتماعيّ في البحث عن المعلومات، يُصبح الزَّائرون عرضة لمعلومات غير صحيحة، أو الأخبار المفبركة، بشأن قضايا صحِّيَّة، وسياسيَّة، واجتماعيَّة خطيرة. من الصَّعب جدًّا على المستخدِمين الاعتماد على المعلومات من الإنترنت وحده. ونظرًا لأنَّ المراهقين يقضون أقصى وقت ممكن لهم في تصفُّح الإنترنت والتَّواصل عبره، فإنَّ القرَّاء يستخدمون المعلومات عبر الإنترنت لدراساتهم المدرسيَّة، والأكاديميَّة، وهناك علامة استفهام كبيرة عن فهمِهم القضايا الحرجة. من المحتمل أيضًا أن يؤدِّي تراجع المؤثِّرين في التَّسويق الرَّقميّ[6]، والاعتماد على المحتوى الأصيل إلى دفع الأجيال الشَّابّة بعيدًا من النَّسخ المزيَّفة للواقع.
خاتمة
إنَّ وسائط التَّواصل الاجتماعيّ باتت مصدرًا مهمًّا للمعلومات، والتَّعليم، والتَّواصل، والتَّرفيه. بالطَّبع، يبرز التَّحدِّي الأكبر فيما توجده من نظام اجتماعيّ جديد وشديد التَّغيُّر، ففي حين تعمل هذه الوسائط على تقوية الشَّبكة الاجتماعيَّة من جهة، فهي تُضعِف العلاقات الشَّخصيَّة من جهة أُخرى.
كذلك، سيؤدِّي المحتوى الَّذي ينشئه المستخدِمون إلى مزيد من عمليَّات التَّحايل، ممَّا سيقودنا إلى مواجهة تحدٍّ جديد بما يخصُّ حقوق الملكيَّة الفكريَّة، وشكل جديد من الإدمان لدى الشَّبيبة، والاغتراب النَّفسيّ الفرديّ والجماعيّ، في ظلّ "فرط التَّواصل". من ناحية قد يؤدِّي اعتماد وسائل الإعلام الجماهيريَّة التَّقليديَّة على وسائل الإعلام الجديدة إلى تفوُّق الأخيرة كما يتوقُّعه كثير من المحلِّلين، ممَّا سيؤدِّي إلى مزيد من التَّمثيل ومزيد من المشاركة في المجال العامّ، واتِّساع رقعة اندماجهم في المجتمع[7].
جعلت جائحة كوڤيد-١٩ الهدف المتمثِّل في الوصول إلى الإنترنت للجميع أكثر إلحاحًا من أيِّ وقت مضى. إذ لم يَعُدْ الإنترنت، والوصول إلى وسائط التَّواصل الاجتماعيّ أمرًا كماليًّا. فهُمْ شريان الحياة، وأهمِّيَّته تبدأ من التَّعلُّم والعمل من بُعد، إلى متابعة جهات الاتِّصال والرِّعايَّة الصُّحِّيَّة. ومع ذلك، لا يزال ما يقرب من نصف سكَّان العالم لا يستطيعون الاتِّصال بالإنترنت، وأغلبهم من النِّساء، وذوي الدَّخل المنخفض، وسكَّان الأرياف. من أجل تجنُّب عالم تؤدِّي فيه عدم المساواة الرَّقميَّة إلى مزيد من التَّفاوتات في الصِّحَّة والثَّروة والتَّعليم، نحتاج إلى اتِّخاذ إجراءات لمعالجة العوائق الَّتي تحول دون الاتِّصال، وتحقيق ديمقراطيَّة أوسع.
_________
[1] Kemp, Simon, Digital 2022 Global Overview Report, (2022). https://datareportal.com/reports/digital-2022-global-overview-report (visited on 2022 October 12).
[2] Kaplan, Andreas M., and Michael Haenlein. "Users of the world, unite! The challenges and opportunities of Social Media." Business horizons 53, no. 1 (2010): 59-68.
[3] Ahlqvist, Toni, Asta Bäck, Minna Halonen, and Sirkka Heinonen. "Social media roadmaps." Helsinki: Edita Prima Oy (2008).
[4] Mallah Boustani, N., Merhej Sayegh, M. (2021). E-learning: Factors Affecting Students Online Learning During COVID-19 Quarantine in a Developing Country. In: Saad, I., Rosenthal-Sabroux, C., Gargouri, F., Arduin, PE. (eds) Information and Knowledge Systems. Digital Technologies, Artificial Intelligence and Decision Making. ICIKS 2021. Lecture Notes in Business Information Processing, vol 425. Springer, Cham. https://doi.org/10.1007/978-3-030-85977-0_2
[5] Kietzmann, Jan H., Kristopher Hermkens, Ian P. McCarthy, and Bruno S. Silvestre. "Social media? Get serious! Understanding the functional building blocks of social media." Business horizons 54, no. 3 (2011): 241-251.
[6] Boustani, Nada Mallah, May Merhej Sayegh, and Zaher Boustany. 2022. "Attitude towards Online Shopping during Pandemics: Do Gender, Social Factors and Platform Quality Matter?" Journal of Risk and Financial Management 15, no. 10: 474. https://doi.org/10.3390/jrfm15100474
[7] ندى الملّاح البستانيّ - المشرق الرَّقميَّة، العدد ١٦، حزيران ٢٠٢٠. التِّكنولوجيا الماليَّة: هل تنقذ لبنان من أزمته الاقتصاديَّة؟