البلوكتشين والتأمين ضدّ الانقطاع عن العمل ٢ من ٢

نُشرت هذه المقابلة في مجلّة البيان الاقتصاديّة، العدد ٦١٩، حزيران ٢٠٢٣. لقراءة المقابلة في المجلّة، اضغط هنا.

حدّثتنا البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ في مقابلة سابقة عن مسألة التأمين ضدّ الانقطاع عن العمل، وشرحت لنا أهمّيّة الابتكارات الماليّة، وإدارة المخاطر، وشركات التأمين ومواقفها في حال الأوبئة والكوارث والحروب، وفي هذه المقابلة سنتابع حديثنا لتتوسَّع آفاقنا عن الخدمات الماليّة اللامركزيّة، والاندماج الماليّ كإحدى الحلول المطروحة.

- ما هي أهمّ خصائص اللامركزيّة الماليّة اليوم؟ 

- يَعِد النظام الماليّ القائم على نظام بلوكتشين بجلب العديد من الفوائد مثل الكفاءة والنزاهة والشفافيّة، ممّا يمنح الأفراد في النهاية إمكانيّة الوصول إلى الخدمات الماليّة اللامركزيّة. لا تعتمد اللامركزيّة الماليّة على الوسطاء والمؤسّسات المركزيّة التقليديّة، ولكنّها تعزّز بنية تحتيّة ماليّة مفتوحة وديمقراطيّة خالية من المراقبة الحكوميّة. وعلى غرار النظام الماليّ التقليديّ، يقدّم النظام الماليّ اللامركزيّ مجموعة واسعة من الخدمات الماليّة بما في ذلك القروض، والدفع، والأسواق اللامركزيّة، والأدوات الماليّة المشتقَّة. 

- ما الّذي يمكن أن تقدّمه تقنية البلوكتشين لعالم التأمين عمليًّا؟

- يمكن أن يؤدّي تطوير التأمينات القائمة على بلوكتشين إلى حلّ مشاكل العمليّات الماليّة اللامركزيّة في زمن الأوبئة والحروب. فبينما تقدّم شركات التأمين بالفعل الحماية ضدّ الانقطاع عن العمل في النظام الماليّ التقليديّ، فإنّ خدمات التأمين ضدّ الانقطاع عن العمل في الأنظمة الماليّة اللامركزيّة الاقتصاديّة غير موجودة. 

يواجه قطاع التأمين تحدّيات عديدة، ويمكن حلّ بعضها بشكلٍ أفضل عن طريق عمليّات أبسط، وأقلّ تكلفة، وأتمتة أوسع، وإجراءات رقميّة أفضل. إذ يمكن أن تتمثّل إحدى هذه الطرائق في بلوغ هذه التحسينات في استخدام تقنيّة البلوكتشين، لتطوير نظام تأمين يتكامل مع ما تقدّمه النظم الماليّة اللامركزيّة من خدمات. 

- كيف تتأقلم تقنيّة البلوكتشين مع سوق العمل في زمن الأوبئة، ومخاطر الانقطاع عن العمل؟

- في حين أنّ الجيل الأوّل من البلوكتشين، البيتكوين على سبيل المثال، كان مقتصرًا على المعاملات الماليّة، سمح الجيل التالي المطوَّر بتنفيذ منطق الأعمال الإداريّة من خلال العقد الذكيّ الّذي لا يحتاج إلى سلطات مركزيّة لتطبيق قواعد الأعمال الإداريّة التقليديّة. فمعظم العقود الذكيّة مبنيّة على "سلسلة كتل الإيثيريوم" وتسمح بإنشاء الرموز الرقميّة والتطبيقات اللامركزيّة، والمنظّمات المستقلّة. 

وبالتالي، تُتيح العقود الذكيّة فرصًا ابتكاريّة للتّطبيق في مختلف الصّناعات. لذلك، سهولة إبرام العقود الذكّيّة في أيّ مكان أو زمان، بالإضافة إلى كلفتها الزهيدة لعدم حاجتها إلى وسطاء تساعد على ابتكار منتجات (بوالص/عقود)، وإمكانيّة تكتّل العديد من الشركات، تمكّن إنشاء عقود تأمين كمخاطر الانقطاع عن العمل بسبب جوائح كالسارس والكوفيد-١٩ وغيرها.

- ما هي أهم خصائص القطاع التأمينيّ الهجين؟ 

- أوّلًا، يؤدّي إنشاء نظام تأمين قائم على بلوكتشين والعقود الذكيّة بالكامل إلى خفض التكاليف مقارنة بصناعة التأمين التقليديّة، حيث تتطلّب العمليّات كلّها موارد بشريّة. كما تجعل أتمتمة العمليّات بسبب العقود الذكيّة عمليّات نظام التأمين هذه أكثر كفاءة وسرعة. علاوة على ذلك، تكون أوقات استجابة الخوارزميّة أسرع، ومتاحة في أيّ وقت بالمقارنة بساعات العمل المصرفيّة في التمويل التقليديّ. كذلك، يتم تسهيل عمليّات الدفع بسبب القواعد المحدّدة مسبقًا في العقد الذكيّ.

ثانيًا، توفّر بلوكتشين بنية تحتيّة آمنة وغير قابلة للتّحوير، ممّا يساعد الأطراف المشاركة في نظام تأمين بلوكتشين الاعتماد على البيانات غير المكرّرة والصحيحة المخزّنة على سلسلة كتل غير قابلة للتلاعب. بالإضافة إلى ما ذُكر، فإنّ بوليصة التأمين، الّتي تُخزَّن على بلوكتشين ومشاركتها علنًا، تحمي من الاحتيال، حيث لا يمكن أن يُصيبها الغموض في أثناء المطالبة بالتعويض.

ثالثًا، ثمّة فائدة أُخرى تتمثّل في تعزيز الشفافيّة الّتي تفيد في تخفيض نسبة عدم تناسق المعلومات الموجودة عادةً بين شركة التأمين والشخص المؤمَّن. إذ يمكن تتبّع جميع المعاملات المنجزة بحيث يتمّ تسجيلها علنًا على البلوكتشين، وتصبح عمليّة التأمين أشدّ شفافيّة بواسطة المعماريّة القائمة عليها. 

- هل يوجد مخاطر في التقنيّات الماليّة الرقميّة بتطبيقها في قطاع التأمين؟ 

- تكمن إحدى المشكلّات في الاستدانة والاقتراض بين الأنداد القائم على اللامركزيّة الماليّة في عدم وجود الضمانات الكافية، لذلك، فإنّ القروض غير مضمونة، ولا يتمّ تعويض المقرِض في حالة التخلّف عن السداد. وحتّى في حالات الضمانات الجانبيّة الكافية المقيّدة في العقود الذكيّة (Smart insurance contracts)، يمكن أن تصبح منصّات الإقراض اللامركزيّة هدفًا للهجمات السيبرانيّة. وبالتالي، تسود مخاطر التخلّف عن سداد الائتمانات ومخاطر التعليمات البرمجيّة الخبيثة في الإقراض بين الأنداد.

للتخفيف من مخاطر الاستدانة والإقراض بين الأقران، يَلزم توفير منتجات التأمين المناسبة. تكمن فكرة نظام التأمين بين الأنداد في مشاركة المخاطر مع المجتمع، وبالتالي تقليل المخاطر المترتّبة على الفرد. إذ يسهل استخدام تقنيّة سلسلة الكتل، الفكرة الأصليّة للتّأمين، حيث إنّ الشبكة لا مركزيّة ويتمّ تسجيل المعاملات بشفافيّة، وبالتالي بناء الثقة.

- هل من كلمة أخيرة توجّهينها للمستثمرين في قطاع التأمين؟

- نرى أنّه يجب تشجيع القطاع الخاصّ بوجهٍ عامّ بما يخصّ خدمات التأمين المبتكرة، وذلك بإيجاد القنوات المناسبة لمدّ جسر بين الاهتمام والمعرفة والإمكانيّة. إذ لدى الحلول الماليّة اللامركزيّة مميّزات لا يمكن غضّ النظر عنها، فهي بإمكانها، إذا حسن توظيفها، أنّ تتكامل مع الحلول الائتمانيّة التقليديّة، لا أن تحلّ مكانها، فنحن في عصرٍ بات يميل إلى الحلول الهجينة بدل تلك الّتي تعرف مدرسةً واحدة. وعلينا أخذ زمام المبادرة والتغلّب على التخوّف الناتج من الحرص الزائد وعدم المخاطرة، فمن المفضّل أن يكون المستثمر فاعلًا في إيجاد الحلول الماليّة والاقتصاديّة، خصوصًا بعد ما واجهه العالم من أزمات اقتصاديّة مباشرة أو غير مباشرة بسبب الكوارث والأوبئة، ولا نقف عند المبادئ الوقائيّة، بل الحلول الابتكاريّة الّتي تهب قطاعاتنا الاستثماريّة "الليونة" في وقت الأزمات، ولا يكون تعاملنا على مبدأ ردّ الفعل، وتفادي الخسائر أو تخفيفها.