الاستثمار في البيئة والمجتمع والحوكمة ESG ١ من ٢

نُشرت هذه المقابلة في مجلّة البيان الاقتصاديّة، في العدد رقم ٦١٢، الصادر في تشرين الثاني ٢٠٢٢. لقراءة المقابلة في المجلّة، اضغط هنا.

لقد اقتحم الاستثمار المسؤول اجتماعيًّا عالم المال والاقتصاد، ويسارع مقدّمو الخدمات والمستثمرون على حد سواء للالتحاق بقطار "الاستدامة" الّذي يتصدّر عناوين الاستثمارات، في عصرٍ بات العنصر البيئيّ، في أيّ عملٍ كان، أمرًا لا يمكن المساومة عليه. لسوء الحظ، فإنّ طيف "الاستدامة" الواسع يعرف الكثير من المناطق الرماديّة، لكنّ تيّار الـ ESG أو الاستثمارات البيئيّة والاجتماعيّة والحوكمة، تتطلّع إلى تغيير ذلك الواقع، إذ يستخدم معايير معيّنة لتصنيف الاستثمارات. وهنا لنا وقفة مع البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ لتُطلعنا على أهمّ ما يمكن معرفته عن هذا الفكر الاستثماريّ الجديد.


هل يمكن لكِ أن تشرحي لنا دلالة مصطلح الـESG ؟

- نعني بالـESG  تحديدًا، ثلاثيّة البيئة والمجتمع والحوكمة. وهي العوامل غير الماليّة التي يستخدمها المستثمرون لقياس الاستثمار أو استدامة الشركة. تنظر العوامل البيئيّة إلى الحفاظ على العالم بموارده الطبيعيّة، وتدرس العوامل الاجتماعيّة كيفيّة تعامل الشركة مع الأشخاص داخل الشركة وخارجها على حد سواء، وتنظر عوامل الحوكمة في كيفيّة إدارة الشركة نفسها.  فيأخذ المستثمرون في الاعتبار عددًا من العوامل المختلفة عند تقييم فرص الاستثمار المتنوّعة. قد يشمل ذلك مستوى المخاطر المرتبط بأصل معين، أو العوائد المحتملة، أو التكاليف والرسوم المتضمّنة. لكن العديد من المستثمرين يضيفون الآن الاستدامة كشرطٍ مسبق قبل استثمار أموالهم في أيٍّ من الأصول المعروضة، خصوصًا مع متطلّبات خطط الأمم المتّحدة SDG 2030.  

هل يمكن القول إذًا أنّ الـ ESG إمكانيّة جديدة للاستثمار في الأسواق الماليّة؟  

- أجل، في السنوات الأخيرة، ازدادت شعبيّة الـ ESG وبدأت الشركات تدرك حقيقة هذا الواقع وتزيد من استثماراتها في أقطاب الـ ESG الثلاثة. وفي الوقت عينه، وجدت شركة "مورنينغ ستار" الأميركيّة المعنيّة بالشؤون الاستثماريّة، عن أنّ عدد الصناديق المفتوحة والمستدامة المتداولة في البورصة المتاحة للمستثمرين الأمريكيّين قد ارتفعت إلى ٥٣٤ صندوق في العام ٢٠٢١، بزيادة قدرها ٣٦٪ عن العام ٢٠٢١.  فالاستثمار في الـ ESG هو عمليّة تركّز على المخاطر طويلة الأجل الّتي يتجاهلها تحليل "وول ستريت" التقليديّ، فيأخذ بعين الاعتبار التغيّر المناخيّ، أو ندرة الموارد الطبيعيّة، أو الفكر الإداريّ غير السليم.  في الحقيقة، هو نوع من استراتيجيّة استثمار لأولئك الذين يرغبون في وضع أموالهم في أسهم مستدامة، أو صناديق استثمار مشتركة تقدّمها الشركات الّتي تعمل على إحداث تأثير إيجابيّ على مستوى العالم والمجتمع من حولها، وهذا ميلٌ جديد في عالم الاقتصاد والمال.  

ما هي العوامل الّتي تحدّد معايير الاستثمار في الـESG ؟  

- تأخذ عوامل الـ ESG في الاعتبار تأثير الشركة على:  ١. البيئة: قد يشمل ذلك كفاءة الشركة في استخدام الطاقة وانبعاثات الكربون وإدارة النفايات وغير ذلك.  ٢. المجتمع: قد يركّز هذا العامل على علاقة الشركة بمجتمعها الداخليّ (قواها البشريّة) والمجتمع من حولها. قد تستثمر الشركات المسؤولة اجتماعيًّا بكثافة في المشاريع المجتمعيّة، أو حماية بيانات وخصوصيّة عملائها.  ٣. الحوكمة: يقيس هذا العامل كيفيّة إدارة الشركة، الأمور الّتي قد تشمل هيكل الشركة، أو التعويض التنفيذيّ، أو تنوّع أعضاء مجلس إدارتها.  

كيف يتم احتساب وتقييم درجات الـ ESG؟  

- يتم احتساب تصنيف أو درجات الـ ESG من قبل شركات التصنيف التابعة لجهات خارجيّة الّتي تستخدم أساليب تسجيل النقاط الخاصّة بها. إذ يقوم المحلّلون في هذه الشركات بتقييم كشوفات الشركات، وإجراء مقابلات مع الإدارة، ومراجعة التقارير السنويّة المتاحة للجمهور، أو تقارير الاستدامة لتحديد درجة الـ ESG للشركة.  وكلّ شركة تصنيفات معيّنة ذات خوارزميّة خاصّة بها لحساب هذه الدرجات، الّتي تركز عادةً على التأثير الّذي سيحدثه مؤشِّر الأداء الرئيسيّ على المحصّلة النهائيّة للشركة، مع إجراء تعديلات بحسب القطاع، وحجم الشركة، والبيانات الناقصة. ومن المهمّ ملاحظة أنّه لا يتّخذ كلّ مستثمر قراراته بناءً على هذه التصنيفات فقط، إذ يستخدم بعض المستثمرين أساليبهم الخاصة لتقييم درجة الـ ESG للشركة، أو قد يبحثون عن مستشار ماليّ يمكنه إجراء تحليلهم الخاصّ.  

ما هي إيجابيّات الاستثمار في الـ ESG وسلبيّاته؟  

- مثل أيّ استراتيجيّة استثمار، يأتي الاستثمار في الـ ESG مع مجموعة من المخاطر والمكافآت الخاصّة به. فتشمل بعض الفوائد والعيوب الرئيسية ما يلي:  

* الإيجابيّات: يساعد الـ ESG المستثمرين على مواءمة إستراتيجيّتهم الاستثماريّة مع قيمهم. ففي حين أنّ الهدف النهائّي للعديد من المستثمرين قد يكون بناء ثروة طويلة الأجل، نجد أنّه لا يرغب العديد منهم الوصول إلى ذلك على حساب البيئة أو مجتمعهم. هكذا، يُعَدّ الاستثمار في البيئة والمجتمع والحوكمة إحدى طرق تقييم الاستثمارات الّتي لن تمنحهم عائدًا قويًّا على استثماراتهم فحسب، بل ستساعدهم أيضًا في العمل من أجل الصالح العامّ.  كذلك، قد يكون الالتزام القويّ بمعايير الـ ESG، مؤشّرًا على استثمار أقلّ خطورة. إذ يمكن للشركات الّتي قدّمت التزامًا قويًّا بالتنوّع والإنصاف، أن تقلِّل من تعرّضها للحوادث أو الدعاوى القضائيّة، الّتي يمكن أن تؤثِّر سلبًا عليها وعلى مصالح مستثمريها.  

* أمّا السلبيّات، فمنها ما يُعرف بالاحتيال الأخضر "Greenwashing": يصعِّب هذا النوع من الاحتيال معرفة الشركات المستدامة بالفعل. فالعديد من الشركات مُتّهمة باستخدام أساليب تسويق غير نزيهة لإقناع المستهلكين والمستثمرين المحتملين بأنّها تحقّق تأثيرًا إيجابيًّا على المستوى البيئيّ. ممّا يوقِع العبء على المستثمر للقيام بواجبه، ومراجعة السجلّات العامّة، وتحديد ما إذا كانت الشركة مستدامة. قد يكون هذا صعبًا لأنّ التصنيفات تختلف على نطاق واسع عبر الشركات المختصّة. وجدت إحدى الدراسات الّتي أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنّه عندما قاطعت بيانات تصنيف الـ ESG لستّ شركات مرموقة، أنّ نسبة الترابط بين البيانات بلغ ٦١٪ فقط.  كما قد تحمل صناديق الـ ESG نسب نفقات أعلى من المتوسِّط. فوفقًا لدراسة رسوم صندوق الولايات المتّحدة للعام ٢٠٢٠ من شركة "مورنينغ ستار" الأميركيّة، بلغ متوسّط نسب المصروفات لصناديق الـ ESG ٦١٪ مقارنة بـ ٤١٪ للصناديق التقليديّة. 

يُتبع... الجزء الثاني