لبنان ... سيناريوهات زائفة بأبطالٍ من ورق

نُشر هذا المقال في جريدة الجمهوريّة، في ٢٣-٣-٢٠٢١. لقراءة المقال على الموقع، اضغط هنا.

من حين إلى آخر، يضجّ البلد بإعلانات هنا وهناك تصوّر المسؤولين وكأنّهم الأبطال «المخلِّصين»، أمّا في الحقيقة، فالأمر معاكسٌ تمامًا. على سبيل المثال لا الحصر، يُصَوَّر «قلبُ» مصرف لبنان أنّه على أموال المودعين، فيبرز كبطل في «تمثيليّة» إجبار المصارف على رفع رؤوس أموالهم للمساعدة في خدمة المودعين كما يجب، أو «فيلم» الاقتراض من البنك الدوليّ بالعملة الأجنبيّة لمساعدة الفقراء، ولكن، بالعملة الوطنيّة طبعًا.

عندما نتمعّن أكثر في صلب كلّ موضوع أو قضيّة وراءها مسؤولٌ ما، يدخل الشكّ في اليقين، لنكتشف في نهاية المطاف حقيقة الأمور المُرّة المغمّسة بعدم الشفافيّة وقلّة المسؤوليّة، والأنانيّة، ولِمَ لا... الجشع أيضًا.

كيف لنا أن نفسّر طلب مصرف لبنان من البنوك زيادة رأس مالها؟ هذا الأمر لا يعني شيئًا على الإطلاق، خصوصًا إذا كانت المصارف لا تستطيع إتمام هذه العمليّة بسيولة أجنبيّة فعليّة وحقيقيّة. الأساس واحدٌ، أي ضرورة استقدام الأموال الأجنبيّة الطازجة (Fresh Money)، وغير ذلك لمجرّد هرطقة من بين الهرطقات.

اليوم، تلجأ المصارف لمحاولة زيادة رأس المال من خلال التحايل على المودعين وعرض استبدال ودائعهم بعقارات مضخّمة في قيمتها لتسجيل الفارق كزيادة في رأس المال، أو حثّهم على الاستثمار في بعض الأدوات الماليّة ليستطيعوا تسجيل هامش يُرحَّل لزيادة رأس المال. إذًا، هل تعيد هذه الهندسة الودائع إلى المودعين؟ أو، هل تؤمّن للمصارف تكوين احتياطات بالعملة الأجنبيّة في مصارفها المُراسِلة تطبيقًا لتعميم مصرف لبنان رقم ٥٦٧؟ لا، قطعًا لا. فكلّ ما يقومون به لا يصبّ في مصلحة المودع، بل في مصلحة المصارف التجاريّة. إذ نرى أنّ تعاميم مصرف لبنان وإجراءاته في هذا الخصوص، هي لمجرّد ترتيب القوائم الماليّة للمصارف اللبنانيّة، لإعادة تقييمها بشكلٍ أفضل، تحضيرًا لبيعها ودمجها وتصفية بعضها.

من المؤكّد أنّ كلّ ذلك لا يُنبئ باسترداد أيّ وديعة في القريب العاجل، لكن، في الوقت نفسه نسمعهم يقولون: «لا خوف على أموال المودعين المحفوظة». إنّ وديعة محفوظة على الورق لا تعني شيئًا، كما أنّ وديعة مستردّة بعد سنين طويلة تخسر قيمتها الفعليّة لا محالة. مهما هندسوا و«أخرجوا»، نجد أنّ المسار الوحيد للمساعدة في استرجاع الودائع بسرعة هو استجلاب دولارات نقديّة، وهذا أمرٌ من سابع المستحيلات اليوم، كونه مرتبط بمساعدة «الغرب» أو «الشرق» ومحاربة الفساد، وتنفيذ خطط متعلّقة بالإصلاح الإداريّ والماليّ والاقتصاديّ. والأهمّ من ذلك، المطلوب صحوة ضمير للقيادات اللبنانيّة، وهو أمر مُحال حتّى الآن، خصوصًا عندما «نتفرّج» عليهم وهم يفترسون قرضًا للبنك الدوليّ من المفترض تخصيصه للفقراء.

هُمْ بكلّ وقاحة، يريدون تطبيق ما يُسمّى بالهيركات على العائلات الأشدّ حاجةً، وهذا ما نراه جليًّا في حالة الهرج والمرج التي حصلت في مجلس النواب هذه الأيّام. إذ يصرّون على صرف القرض للمواطنين بالليرة اللبنانيّة وفق سعر ٦٤٠٠، ليقتطعوا ما يقارب الـ ٣٠% من قيمة القرض، (وهو الفارق بين سعر صرف السوق الفعليّة والقيمة المقدّرة). طبعًا، من خلال هذا الإجراء، سيستفيد مصرف لبنان من بعض السيولة النقديّة بالعملات الأجنبيّة الإضافيّة، لاستكمال العمليّة العشوائيّة لدعم بعض السلع الأساسيّة التي لا يستفيد منها أكثر من ٢٠% من فقراء لبنان، في حين أنّ المستفيد الأكبر هم التجّار والمهرّبون ولفّ لفيفهم من أركان السلطة.

من هنا، نستنتج أنّ من يستميت للإبقاء على هذا النهج للدعم، لا تهمّه مصلحة المواطن، بل منفعته الشخصيّة، وضمان ابقاء اللبنانيّ ضمن حالة ثبات «مفبركة» لأطول وقت ممكن، وعدم جرّه إلى الشارع ليثور وينتفض ويعبّر.

نستنتج ممّا سبق، أنّ لو اهتمّ «الأبطال» بمصلحة الشعب اللبنانيّ والعائلات الأشدّ حاجّة على حدّ سواء، لأصرّوا على صرف القرض كاملًا على المحتاجين بالدولار الأميركيّ، ولضربوا عصفورين بحجرٍ واحد. الأوّل، نجد أنّ المساعدات للعائلات بالدولار الأميركيّ تعطيها قوّة دفع شرائيّة أفضل وتستفيد بإضافة ٣٠% من السِلع. أمّا الثاني، وهو الأهمّ، نجد أنّ صرف الدولارات للمحتاجين يعني إغراق السوق بحوالى ٢٥٠ مليون دولار أميركيّ «كاش»، وهذا سيؤدّي حتمًا إلى انخفاض سعر الدولار بشكلٍ ملحوظ، هذا إذا بنينا فرضيّتنا على تصاريح حاكم مصرف لبنان، وتأكيده على أنّ حجم سوق الدولار الأميركيّ الموازي للمصارف صغير نسبيًّا ولا يتعدّى بضع عشرات الملايين.

في الخلاصة، نحن نعلم بالمُطلق أنّ الدعم يجب أن يولّد استقرارًا وتطوّرًا، فالأهل يدعمون أبناءَهم ليستقرّوا في حياتهم، وحكومات البلدان المتقدّمة تدعم أبناءَها لبناء شبكة أمان، وتساعدهم في التطوّر والابتكار. أمّا في لبنان، فأبطالنا يأتون بسيناريوهات مزيّفة، ماكرون يدعمون المواطن لشراء سكوته، سلّة «مدعومة» من الغبن، والظلم، وبعض من الوطنيّات.