أنتبع البوم ونتفاجأ بالخراب؟

نُشر هذا المقال في موقع ليبانون ٢٤، في ٢٦-٥-٢٠٢١. لقراءة المقال على الموقع، اضغط هنا.

بالعربي المشبرح ثّمة أمثال شعبيّة عديدة تمثّل واقع حالتنا اليوم، ومنها: "المال السايب بعلّم الناس عالحرام"، ويمكننا أن نتأمّل هذه الحكمة الشعبيّة بالتوازي مع حكوماتنا "السايبة" الّتي أودت بنا إلى اعتيادنا النهب والسرقة والمحسوبيّات الّذين أصبحوا العرف السائد "الشاطر بشطارتو". في السطور الآتية سنورِد أهمّ المحطّات الّتي أودت إلى تدهور البلد اقتصاديًّا ضمن سياسات يبدو أصحابها اليوم متفاجئين شأنهم شأن عامّة الناس، مع أنّهم في الحقيقة هم المسؤولون الأوّلون والآخرون.

في أواخر العام ١٩٩٧ رُبطت الليرة اللبنانيّة بالدولار الأميركيّ بقرارٍ صدر عن مصرف لبنان وفق الرقم السحريّ (١٥٠٠ ل.ل لكلّ دولار). وكان على الحكومة العمل على المحافظة على أطراف هذه المعادلة إمّا بزيادة معدّلات الفائدة، أو باستقبال المساعدات الدوليّة، أو ما يُرسله المغتربون اللبنانيّون بالعملات الأجنبيّة إلى بلدهم لثقتهم بنظامها المصرفيّ. وبما أنّ "دوام الحال من المُحال" فإنّ هذا الاستقرار بدأ يتزحزح مع تبدّل توازن القوى السياسيّة على الساحة اللبنانيّة، فتوازن الطائف أقلقه دخول حزب الله الوازن شيعيًّا، وكذلك حليفه التيّار الوطنيّ الحرّ الوازن مسيحيًّا، فأصبح هناك قوّة جديدة قادرة على تعطيل عمل المجلس النيابيّ، وكذلك خلق فراغ رئاسيّ دام سنتين إلى حين اعتلاء الرئيس ميشال عون رئاسة الجمهوريّة، ومن بعدها انحدار مؤشّر الثقة بالاقتصاد اللبنانيّ.

إنّ شعارات محاربة الفساد غير كافية لتكون فعّالة "فالحكي ببلاش"، وللأسف شهدنا العديد من "الدعسات الناقصة" أشدّها وطأةً كان إقرار سلسلة الرتب والرواتب الّتي زادت من عبثيّة الوضع. ولأنّ "شرّ البليّة ما يُضحِك" أصبحنا البلد المعجزة الّذي يستطيع تدريس نظريّات اقتصاديّة لا تقوم على وضع موازنة أسوةً بباقي البلدان... وصدق المثل عندما قال: "الولد ولد ولو حكم بلد". ولأنّ بعضهم استشفّ بين السطور مواقف العناد، والغرور، والتشبّث بالرأي، وهي ثلاثيّة الغباء بحسب الأديب الفرنسيّ ميشيل دي مونتَين، فضّلوا الهروب من البلد بعقولهم وكذلك ما تيسّر من أموالهم.

بالطبع، علا صوت كثيرين محذّرًا من اقتراب الخراب، لكن الطبقة الحاكمة كان لها "أذن من طين وأذن من عجين". لذلك، انفجر الشارع مع إعلان ضرائب على خدمة "الواتساب"، لم تكن بالضريبة الباهظة، لكنّها "الشعرة الّتي قصمت ضهر البعير"، ففجّرت مكنونات الشعب المُحبط منذ وقتٍ طويل. ومع اندلاع انتفاضة تشرين، كانت ردّة فعل المصارف في إقفالها السريع، وبعدها تطبيق حجز غير مُعلن على ودائع الناس. وأصبحت المصارف بحكم الإفلاس، لأنّ ما نفع المصرف إن لم يكن قادرًا على توفير خدماته الأساسيّة لشريحة المواطنين؟

ولأن "أجت الحزينة تفرح ما لقت مطرح" تتالت المصائب على البلد، فأخذ احتياطي الدولار الأميركيّ لدى مصرف لبنان بالانخفاض، ثم تبعته قيمة الليرة اللبنانيّة بسقوطها الحرّ، بعدها تبخّرت مدّخرات المودعين، وانهارت القوّة الشرائيّة عند المواطنين، وبالطبع نتج من ذلك تضخّم كبير. وبما أنّ "المصائب لا تأتي فُرادى" جاءت جائحة الكورونا، وتلاها تفجير مرفأ بيروت وأتى على قسم كبير من العاصمة، وهي ما زالت تبحث عن بداية خيط يقودها إلى معرفة أسباب هذه المصيبة.

"المضحك المبكي" في هذا العرض أنّ "حليمة عادت لعاداتها القديمة"، لأنّ سقف طموحات الشعب اليوم هو تشكيل حكومة جديدة ما هي إلّا صورة عن تلك الّتي سبقت ثورته من: الثلث المُعطِّل، وحجم التمثيل في الحكومة، وآليّة تسمية الوزراء، والحقائب السياديّة، وحكومة مستقلّة زائفة، وتمثيل الغالبية المذهبيّة... والأنكى من ذلك، أن معاشه الّذي سقط من أرقامه "صفر على اليمين" لم يعد يكفيه لتأمين خبزه اليوميّ، أو دفع فواتيره الشهريّة. ولبنان "سويسرا الشرق" أصبح مجرّد حلم، لا بل كابوس لأنّه يخاف من حكومة على شاكلة سابقاتها تفرض ضرائب حتّى على الأحلام لتسدّ بها عجز الخزينة وعجزها.

يقول المثل: "إن ما كبرت ما بتصغر وإن ما خربت ما بتعمر" فبلد جبال الصوّان وإن أصابه الخراب وتتالى، فإنّه "راجع يتعمّر راجع متحلّي وأخضر أكثر ما كان". لكنّه يحتاج اليوم إلى تلك "الزنود اللبنانيّة" لتشدّ معه وتنهض به من جديد، من دون أن تضع يده بيمين من يحملون مطارق الهدم بيسارهم. وهو إن ضحّى حينها، فليس "كرمى عيون الزعيم" بل "كرمى عيون شباب لبنان ومستقبلهم". فكيف لنا أن نتفاجأ وكان نذير الشؤم "كالبوم الّذي يدلّنا دومًا على الخراب"؟ أما آن الأوان للشعب أن "يغيّر عادته" لعلّها "تزيد سعادته"؟