روبوتات الدّردشة والتّعليم - آفاق وتحدّيات

نُشر هذا المقال في مجلّة المشرق الرقميّة، في ١٥-٩-٢٠٢٤. لقراءة المقال على الموقع، اضغط هنا.

مقدّمة:

لقد تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ بسرعة، ما أثّر في قطاعات مختلفة، بما في ذلك التّعليم. يحاكي الذّكاء الاصطناعيّ سلوك الدّماغ البشريّ، وتلقّي البيانات، والتّعلّم، وتحقيق الأهداف المحدّدة مسبقًا[2]. وقد أدّى تطبيقه في التّعليم إلى تحسين الكفاءة، وتعزيز التّعلّم على المستوى العامّ، وكذلك على المستوى الشّخصيّ، وإنشاء المحتوى الذّكيّ. لكن، ثمّة تحدّيات يجب معالجتها مثل خصوصيّة البيانات والوصول العادل وبمسؤوليّة إلى المعلومات. وقد برزت الحاجة إلى مراجعةِ منهجيّة تقييم تأثير روبوتات الدّردشة (Chatbots) مع إطلاق شات جي بي تي (ChatGPT) وغيره في التّعليم.

يوفّر استخدام روبوتات الدّردشة في التّعليم إجابات شخصيّة، وملاحظات فوريّة، ويساعد في استيعاب المفاهيم المعقّدة، وتعزيز مشاركة الطّلّاب، والتّطوّر المعرفيّ. وهو يدعم تنمية مهارات الكتابة بتوفير التّصحيحات النّحويّة، وتسهيل المناقشات الجماعيّة، وتعزيز التّعلّم التّعاونيّ. كما تُظهِر تطبيقات الذّكاء الاصطناعيّ في التّعليم، إمكانات في تجارب التّعلّم الشّخصيّة، والاختبارات التّكيفيّة، والتّحليلات التّنبؤيّة، ولكنّها تتطلّب النّظر في المخاطر المرتبطة بها[3]. إذ إنّ تأثير روبوتات الدّردشة في التّعليم آخذ في النّموّ، ما دفع بالمؤسّسات التّعليميّة إلى دمجه بشكل مدروس لتعزيز التّدريس والتّعلّم. ومع ذلك، ينبغي النّظر إليها كمورد تكميليّ، وليس بديلًا عن طرق التّعلّم التّقليديّة.

وفي مجال الدّراسات الأكاديميّة، تُركّز الأبحاث، الّتي تتناول روبوتات الدّردشة بشكل أساسيّ، على التّحليل النّوعيّ لفوائدها ومخاطرها المحتمَلة. ومع ذلك، ثمّة حاجة متزايدة إلى مراجعة السّياقات الّتي تتمّ فيها دراسة روبوتات الدّردشة لفهم أدائها وخصائصها بشكل كامل. لذلك لا تزال هناك فجوة في الأدبيّات المتعلّقة بكيفيّة دمج روبوتات الدّردشة داخل البيئات التّعليميّة.

سنستكشف في هذه المقالة استخدام روبوتات الدّردشة في التّعليم، ونفحص إمكاناتها وتحدّياتها ومجالات عملها المستقبليّة، في التّعلّم الشّخصيّ والمعقّد، والأنشطة التّعليميّة. كما سنعرض التّحدّيات والقضايا مثل الانتحال وسوء الاستخدام، الأمر الّذي يُفضي إلى نقص التّعلّم الحقيقيّ والمساءلة والمخاوف المتعلّقة بالخصوصيّة.

١) روبوتات الدّردشة والدّراسات الأكاديميّة

عادةً ما ركّزت الدّراسات الأكاديميّة على خصائص العمليّات الّتي تنفّذها روبوتات الدّردشة، وناقشت فُرصها وتهديداتها عبر مختلف المجالات، مع تسليط الضّوء على حدودها مقارَنةً بالفهم البشريّ والإبداع[4]. في حين حذّرت دراسات أُخرى الجامعات من ضرورة النّظر بعناية في أخطار ومكافآت أدوات الذّكاء الاصطناعيّ، مع التّركيز على الحاجة إلى التّطبيق الأخلاقيّ، واتّخاذ التّدابير تُجاه سوء السّلوك الأكاديميّ. كما لاحظ آخرون أنّه على الرّغم من أنّ الذّكاء الاصطناعيّ يمكن أن يساعد في التّعلّم، إلّا أنّه لا يحلّ مكانه بالكامل، وأشاروا إلى ضرورة تطبيق نهجٍ دقيق لفهم آثاره.

كما أجرى بعض الباحثين تحليلًا منهجيًّا للنّصوص من أجل استكشاف دور المتعلِّمين المتغيِّر بسبب تكامل الذّكاء الاصطناعيّ. وعلى الرّغم من الشّكوك، يعبّر الباحثون عن تفاؤلهم بأنّه مع الإشراف المناسب، يمكن الذّكاء الاصطناعيّ أن يعزّز عمليّة التّدريس والتّعلّم[5]. فيما يدعو آخرون إلى ضرورة التّوجيه البشريّ، والتّعاون مع الذّكاء الاصطناعيّ.

٢) إمكانات روبوتات الدّردشة في التّعليم والتّطبيقات المتنوّعة

لـروبوتات الدّردشة عدّة مجالات تعزِّز فيها جوانب مختلفة من التّدريس والتّعلّم، منها إضفاء الطّابع الشّخصيّ على التّعلّم المعقّد وتسهيله، فيمكن روبوتات الدّردشة تخصيص تجارب التّعلّم وفقًا للاحتياجات الفرديّة، وتسهيل استيعاب المفاهيم المعقّدة. كما يمكن أن يساعد الذّكاء الاصطناعيّ في تصميم الأنشطة وتقديم تعليقات مصمّمة خصّيصًا للأهداف التّعليميّة. بالإضافة إلى ذلك، فهي تؤدّي أدوارًا متعدّدة داخل الإعدادات التّعليميّة: إمّا الطّالب، أو المعلّم، أو المسؤول، أو المساعد. أو تُتيح التّعليمات والتّعليقات خارج القيود الزّمنيّة التّقليديّة، ما يعزّز إمكانيّة التّواصل. كذلك يدعم الذّكاء الاصطناعيّ تطوير مهارات تفكير الطّلّاب النّقديّ، ويمكّنهم من دعم تحليلهم المحتوى النّاتج منه.

من ناحية أُخرى، يمكن أن تساعد روبوتات الدّردشة في تطوير مهارات اللّغات الأجنبيّة، بما في ذلك تحليل النّصّ، وتحسين الكلام، والعمل غير النّصّيّ، والنّظم البيئيّة الرّقميّة خصوصًا في بيئات الواقع المعزّز والافتراضيّ. كما تدعم الكفاءة والدّقّة في البحث، بما في ذلك مراجعة النّصوص، وتحليل البيانات، والتّحقّق من المعلومات، وتلخيص كميّات كبيرة من النّصوص بكفاءة.

وأكثر من ذلك، تُسهِّل روبوتات الدّردشة التّرجمة في الوقت الفعليّ، وتُعزِّز التّواصل متغلِّبةً على حواجز اللّغة. كما يتمتّع الذّكاء الاصطناعيّ بالقدرة على دراسة تقنيّات التّعلّم المختلفة وأساليبها، ما يجعل التّعليم أسهل وأشمَل، وذلك بالتّخفيف من التّحيّز، وتعزيز المساواة، والتّنوّع، والانخراط.

٣) قيود روبوتات الدّردشة والتّحدّيات التّقنيّة الّتي تواجهها

تؤكّد القيود التّعقيدات والاعتبارات الّتي ينطوي عليها دمج روبوتات الدّردشة في السّياقات التّعليميّة. فثمّة احتماليّة كبيرة لسوء الاستخدام أو نقص التّعلّم، إذ قد يسيء الطّلّاب استخدام روبوتات الدّردشة، ما يؤدّي إلى نتائج تعليميّة غير دقيقة. أيضًا، نجد أنّ استخدام روبوتات الدّردشة بطريقة فنّيّة وخبيرة وصحيحة ضروريّ لدمجه الفعّال في البيئات التّعليميّة. كما قد تكون المسؤوليّة عن الأخطاء الّتي تحدث مع روبوتات الدّردشة في البرمجة التّعليميّة وتقديمها غير واضحة.

كذلك، تُثار تساؤلات عمّا إذا كان بإمكان روبوتات الدّردشة حقًّا أن تكون لها هويّات مستقلّة، وتكون بمثابة مصدر نهائيّ وموثوق للمعلومات. فيُثير استخدام الذّكاء الاصطناعيّ مخاوفَ بشأن الانتحال، ولا سيّما فيما يتعلّق بالمبرّرات الشّائعة بطبيعة الوصول المفتوح إلى مصادره.

علاوةً على ما ذُكِر، قد يؤدّي الاعتماد على الذّكاء الاصطناعيّ والأتمتة إلى تغيير أو تقليل التّخصّصات الأكاديميّة التّقليديّة وأدوار القوى العاملة. كما يبرز خطر استبدال أدوار المعلّمين التّحفيزيّة والتّوجيهيّة للمعلِّمين بروبوتات الدّردشة، ما قد يوجِد تجارب تعليميّة غير مكتملة للطّلّاب.

من ناحية أُخرى، قد يستلزم تنفيذ روبوتات الدّردشة تكاليف غير متوقّعة للتّخفيف من مخاوف النّزاهة الأكاديميّة والتّحيّز، ما قد يؤدّي إلى التّردّد في استخدامها، أو إمكانيّة حظرها في بعض المجالات أو الأماكن. كذلك، يمكن أن يقود اعتماد روبوتات الدّردشة على النّصوص المُدخَلة، ومجموعات البيانات، إلى نشر معلومات كاذبة من مصادر غير موثوقة. وقد يواجه الذّكاء الاصطناعيّ صعوبةً في تقديم الإجابات المفيدة عن الاستفسارات الغامضة، أو المبالغة في تبسيط حالات غير مؤكّدة أو واضحة.

أمّا في المجالات الأكاديميّة والبحثيّة فقد يؤثِّر استخدام الباحثين غير المتّسق للذّكاء الاصطناعيّ في إنتاجيّة البحث ومصداقيّته. أو يظهر نوع من التّردّد في التّواصل مع برامج الذّكاء الاصطناعيّ بسبب طبيعتها غير المشخصنة، ما يواجه صعوبة في تكرار المشاريع القائمة على التّجارب والاختبارات، فيؤثّر في النّزاهة الأكاديميّة. كذلك، فإنّ الاعتماد المفرط على استجابات روبوتات الدّردشة قد يعوِّق تنمية مهارات التّفكير النّقديّ لدى الطّلّاب والمعلِّمين. فروبوتات الدّردشة قد تفتقر إلى الشّفافيّة، ما يخلق مستويات متفاوتة من الثّقة في استخدامها. إذ تعتمد موثوقيّة روبوتات الدّردشة على جودة البيانات المُدخَلة، الّتي قد تكون متحيّزة أو ذات جودة منخفضة، فهي قد تفشل في معالجة المشكلات ضمن سياقات مختلفة أو مجالات متخصِّصة.

٤) أهمّيّة معالجة الاعتبارات الأخلاقيّة والتّقنيّة والعمليّة في دمج روبوتات الدّردشة في السّياقات التّعليميّة

تشمل هذه الاعتبارات التّعدّديّةَ اللّغويّة والمساواة، فيؤدّي عدم وجود دعم لبعض اللّغات إلى التّمييز ضدّ المتعلّمين بلغاتٍ غير شائعة. كذلك، فإنّ قدرة روبوتات الدّردشة على إنشاء المحتوى تشكّل معضلة في اكتشاف الانتحال، حيث يمكنها إنتاج ملخّصات وتحليلات لا يمكن تمييزها بسهولة من العمل الأصليّ. بالإضافة إلى ظهور المخاوف بشأن خصوصيّة بيانات الطّلّاب وسرّيّتها، ما يستلزم اتّخاذ تدابير لمنع اختراق البيانات وتسريبها. وكذلك، ثمّة حاجة إلى إعادة تقديم أساليب مراقبة صارمة لمنع استخدام روبوتات الدّردشة في أثناء التّقييمات وضمان النّزاهة الأكاديميّة.

من ناحية أُخرى، قد تواجه المؤسّسات التّعليميّة أخطارًا تتعلّق بالسّمعة إذا لم يكن لديها بروتوكولات وسياسات كافية للاستخدام الأخلاقيّ لـروبوتات الدّردشة في العمليّة التّربويّة، ما يسلط الضّوء على الحاجة إلى المساءلة والتّخطيط الاستراتيجيّ. مع ذلك، فمن خلال معالجة هذه التّحدّيات، يمكن المؤسّسات التّعليميّة تعظيم فوائد تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعيّ مع تخفيف المخاطر، وضمان الوصول العادل إلى جميع المتعلّمين.

علاوةً على ما ذُكِر، تمّت الإشارة إلى إمكانيّة قيام روبوتات الدّردشة بتحفيز الطّلّاب، على الرّغم من أنّ التّأثيرات الطّويلة المدى تتطلّب المزيد من الدّراسات. كما تمّ تأكيد تأثير الذّكاء الاصطناعيّ في التّعليم العالي، ما يشير إلى الحاجة للنّظر في عواقب مختلفة تتجاوز برامج محدّدة مثل شات جي بي تي. وفي حين تُظهِر روبوتات الدّردشة نتائج واعدة في توليد الأسئلة، فإنّ القيود الحسابيّة والتّخزينيّة تشكّل تحدّيات تقنيّة ولوجستيّة إضافيّة.

خاتمة

تطرّقنا في هذه المقالة إلى العديد من الموضوعات المتعلّقة بإمكانيّات روبوتات الدّردشة وقيودها في التّعليم. وشملت الإمكانات البارزة إضفاء الطّابع الشّخصيّ، وتسهيل التّعلّم المعقّد، وتصميم الأنشطة التّدريسيّة، وتعزيز التّفكير النّقديّ باستخدام الذّكاء الاصطناعيّ أو من أجله. وبعكس ذلك، شملت القيود الّتي تمّ تحديدها المخاوفَ المتعلّقة بإساءة الاستخدام المحتملة أو نقص التّعلّم، والخبرة الفنيّة اللّازمة للاستخدام المناسب، وقضايا المساءلة، ومخاطر التّحيّز، والتّمييز.

كما تؤكّد هذه المقالة الفرصَ الواعدة الّتي توفّرها روبوتات الدّردشة لتعزيز الممارسات التّعليميّة. ومع ذلك، فإنّها تسلّط الضّوء أيضًا على تحدّيات واعتبارات كبيرة تتطلّب اهتمامًا أكبر. إذ إنّ معالجة هذه التّحدّيات، مثل الحاجة إلى الكفاءة التّقنيّة، ومخاوف الخصوصيّة، والحفاظ على التّفاعل الإنسانيّ، أمر بالغ الأهمّيّة للاستفادة من روبوتات الدّردشة بشكلٍ فعّال في التّعليم.

وأخيرًا، يجب أن تركِّز المساعي البحثيّة المستقبليّة على وضع إستراتيجيّات للتّخفيف من هذه التّحدّيات وتسخير الإمكانات الكاملة لـروبوتات الدّردشة في السّياقات التّعليميّة.

ختامًا، من خلال الفهم الشّامل لهذه الجوانب، يمكن المعلّمين والباحثين اتّخاذ قرارات مستنيرة بشأن دمج روبوتات الدّردشة في البيئات التّعليمية، ما يضمن الاستخدام الأخلاقيّ والفعّال لمصلحة المتعلِّمين. فهل نشهد في القريب ضوابط وأُطرًا أخلاقيّة واضحة في استعمال الطّرق المبتكرة في عمليّة التّعليم؟ أم هل ستصبح المعايير شخصيّة وفرديّة تعود إلى المدرّسين في تقييم العمل البحثيّ والمجهود التّعليميّ؟.

_________
[2]   Brazdil, P.; Jorge, A. , Progress in Artificial Intelligence: Knowledge Extraction, Multi-Agent Systems, Logic Programming, and Constraint Solving. Springer: Berlin/Heidelberg, Germany, 2021.

[3]   Wang, T.; Lund, B.D.; Marengo, A.; Pagano, A.; Mannuru, N.R.; Teel, Z.A.; Pange, J. “Exploring the Potential Impact of Artificial Intelligence (AI) on International Students in Higher Education: Generative AI, Chatbots, Analytics, and International Student Success”. Appl. Sci. 2023, 13, 6716.

[4]   Debby R. E. Cotton, Peter A. Cotton & J. Reuben Shipway (2024), “Chatting and cheating: Ensuring academic integrity in the era of ChatGPT”, Innovations in Education and Teaching International, Vol.61, No2, 228-239.

[5]   Kooli, C. (2023). “Chatbots in Education and Research: A Critical Examination of ethical implications and solutions”. Sustainability, 15(7), 5614.