ثروة في المكبّات مطمورة وفي الطرقات منثورة
يرتبط اللبنانيّ ارتباطًا وثيقًا بالطرقات، فهو يمضي فيها ساعاتٍ طوال يتأمّلها مع كلّ أزمة سير خانقة، وينتفض فيُغلقها، وينزعج فيهبّ إلى فتحها. إنّها علاقة ذات تاريخ طويل، يرسم فيها الشارع أهمّ محطّات حياة اللبنانيّ، وفي تأمّله المطوّل اكتشف أنّ في الزبالة المنثورة على الطرقات مصدرا للحراك المدنيّ، فعَلتْ الصرخة يوم "طلعت ريحتكم"، لكن هل يجد اليوم مصدرًا آخر ذا قيمة لوجوده؟ نعم، هل يجد اللبنانيّ في تلك القمامة مصدرًا للطاقة؟
لا يجب أن يكون اللبنانيّ من هواة الحراك، بل يجب أن يسعى إلى اقتصاص سبب هذه الأزمات، ليعيش في بحبوحةٍ وكرامة وحرّيّة، وهذا ليس بأمرٍ مُعيب! لذلك، نحن لا نرغب في شارع يتحرّك في إثر مسبّبات أو أزمات... بل يجب علينا قراءة المشاكل الحاضرة، وإيجاد الحلول المتكاملة على نهج الدول المتقدّمة، فلا أزمة الزبالة حكرًا علينا، ولا احتياجنا إلى الطاقة يجعلنا من كوكبٍ آخر.
إذا توقّعنا عودة أزمة الزبالة واستفحالها قريبًا، ذلك لأنّ الأمور ما زالت على حالها منذ سنوات. فلا حلول جذريّة، بل توزيع مهام ومصالح بين الأفرقاء. وبكلّ بساطة يمكن تصنيف المطامر ومعامل توليد الكهرباء بحسب الطائفة، لا بحسب الجدوى الاقتصاديّة والمنهجيّة العلميّة الّتي بالطبع ستعود بالنفع على اللبنانيّين كافّةً.
ظهرت حلول التخلّص من النفايات المنزليّة في الدول المتقدّمة، وصدّرتها إلى الدول النامية لأنّنا لا نستطيع التفكير بالمشاكل البيئيّة على مستوى مناطقيّ ضيّق. فما يشهده العالم اليوم من احتباس حراريّ يطال الكوكب ككلّ، وليس منطقة دون غيرها. لذلك، نجد أنّ لبنان قد وقّع على اتّفاقيّة باريس للتغيير المناخيّ، الّتي بموجبها يعمل على تكافل الجهود للوصول إلى حلولٍ شاملة، تحميه وتفيده، بمعنى آخر: تقدّم له المعونات المادّيّة لتطوير البنى التحتيّة، وإيجاد الحلول المستدامة.
من ناحية عمليّة، يمكن تأسيس محطّات حرق متخصّصة للتخلّص من النفايات، بدل تجميعها وتوسيع المطامر عموديًّا بوجهٍ غير سليم. بالطبع، هذا الحرق سيكون وفق طرائق علميّة مدروسة من ناحية الجدوى الاقتصاديّة الّتي تعتمد على كمّيّة النفايات العضويّة وغير العضويّة، وكيفيّة التخلّص من الرماد المتطاير، بُغية الحصول على الغاز الحيويّ، وهو بديل للغاز الطبيعيّ، إذ له خصائص الغاز "الطبيعيّ" نفسها، فيمكن تحويله حرارة أو كهرباء أو وقودًا للمركبات، وهو ذو أثر بيئيّ وصحّيّ أفضل بكثير على الإنسان.
وكأيّ مشروع حلّ، يجب أن يكون شاملًا متكاملًا، تتضافر فيه الجهود بين القطاع العامّ بهيئاته وقوانينه، والقطاع الخاصّ بمؤسّساته وابداعاته، والمجتمع بأفراده من حيث سلوكيّاتهم المسؤولة الّتي تبدأ بالفرز والجمع، وتنتهي بمتابعة دور الدولة والمطالبة بحقوقهم المشروعة.
من ناحية اقتصاديّة بحتة، نجد أنّ الزبالة ليست كارثة، بل "رزقة"... ولا يتخاصم حولها السياسيّون إلّا لكونها ذات منفعة ماليّة. إذ يمكن تحويل القمامة إلى سماد عضويّ إذا ما عولجت بالطرائق الصحيحة، وهذا الحلّ يناسب طبيعة النفايات المنزليّة في لبنان ذات الغالبيّة العضويّة. كذلك، يمكن أن ينتج عن حرق النفايات كميّة من الطاقة تعادل ٢٠٪ من احتراق الكميّة نفسها من الفيول، وهذه نسبة جيّدة، خصوصًا إذا فكّرنا إنّنا نحوّل القمامة إلى كهرباء، وبالتالي نتغلّب على مشكلة المشاكل في لبنان اليوم، على رجاء حصولنا على الغاز الطبيعيّ في عمق مياهنا في المتوسّط.
لذلك، نرغب في أن نكون بمنأى عن كل الهموم، ونفكّر بمستقبل أولادنا كي يعيشوا في بلدهم من دون تداعيات كارثيّة على سلامتهم. لذلك، يجب تغيير السلوكيّات للتخلّص من أصل الأزمة، لا أن نجد حلولًا موازية كما هي الحال مع جميع أزماتنا المحلّيّة اليوم. إذ يتوجّب علينا أن نقلل من النفايات، ونعيد استخدامها، وتدويرها، ونستعملها في استعادة الطاقة منها. هذا ما يمكن أن نصل إليه بنموّ الوعيّ البيئيّ في المدارس والمجتمع (قاعدة الهرم).
في الختام، لا نريد أن نبحث عن المصاعب كي تحرّكنا لإيجاد الحلول المبتكرة، فبهذه الحالة، سيكون سقف طموحاتنا هو البقاء على قيد الحياة، ونترحّم على أيّام كنّا فيها من البلدان النامية. نحن نحلم بيوم يكون أولادنا قادرين على إيجاد الفرص الإيجابيّة من دون كوارث، وأن يكون لبنان من البلدان الرائدة في مصادر الطاقة البديلة والحلول المستدامة والحفاظ على أرضنا، كما جهد وهو يحافظ على أرضه منذ قرون.