تشهد منطقة الخليج واحدة من أقوى الطفرات العقارية في السنوات الأخيرة، فتتصدّر دبي والسعودية طليعة النمو الذي يجذب الكثير من الاستثمارات. وتكشف التوقعات العقارية في الشرق الأوسط للعام 2025 في دبي، عن سوق مرن وطموح في آنٍ واحد، في حين أنّ برنامج رؤية السعودية 2030 يُعيد تشكيل المشهد الاقتصادي والحضري فيها. لكن وراء هذا التفاؤل، بدأ المحلّلون والمستثمرون يتساءلون عمّا إذا كان يمكن لهذا الزخم الاستثنائي أن يستمرّ أم أنّه يخاطر بالإنزلاق إلى فقّاعة.
إنّ قصة دبي هي قصة مرونة، فعلى رغم من الرياح العالمية المعاكسة وحالة عدم اليقين الجيوسياسي، عزّزت الإمارة مكانتها كملاذٍ آمنٍ لرأس المال العالمي. فقد تجاوز عدد سكان المدينة 3,8 ملايين نسمة في 2024، بزيادة قدرها 5% في عام واحد فقط، بينما ارتفع عدد السياح إلى 18,7 مليون زائر، بزيادة 9%. وقد وفّرت هذه الاتجاهات الديموغرافية العمود الفقري لقطاع العقارات المزدهر، الذي سجّل أداءً قياسياً في النصف الأول من العام 2025.
ووفقاً لدائرة الأراضي والأملاك في دبي، ارتفعت المعاملات العقارية إلى أكثر من 125,000 معاملة، بزيادة قدرها 26% مقارنةً بالفترة عينها من العام الماضي، مع ارتفاع قيمتها الإجمالية إلى 431 مليار درهم إماراتي.
لا تُظهِر شهية المستثمرين أي علامة على التباطؤ. فقد شارك ما يقرب من 95,000 فرد في السوق بالنصف الأول من العام، مع انضمام 59,000 وافد جديد. والجدير بالذكر أنّ نصف هؤلاء تقريباً كانوا من المقيمين في الإمارات، وهو انعكاس للسياسات التي تهدف إلى تشجيع المستأجرين على امتلاك المنازل.
وتساهم النساء أيضاً في تشكيل سوق العقارات في دبي بشكل متزايد، فاستثمرن أكثر من 73 مليار درهم إماراتي في حوالى 35,000 صفقة. وقد عزّز هذا التنوّع في قاعدة المستثمرين عمق السوق واستقراره.
إنّ قوّة السوق ليست من قبَيل الصدفة، فهي مدعومة باستراتيجيات طويلة الأجل مثل أجندة دبي الاقتصادية D33 والاستراتيجية العقارية 2023، التي تسعى إلى وضع دبي بين أفضل 3 مدن في العالم مع ضمان الشفافية والرقمنة والاستدامة. كما أوجد النموّ في الإمارة إطار عمل يجذب المستثمرين الدوليِّين ويدعم الطلب المحلّي معاً.
من ناحية أخرى، فإذا كانت دبي تمثّل سوقاً ناضجاً ومرناً، فإنّ السعودية تحكي قصة الطموح والتحوّل. إذ تستخدم المملكة العقارات كمحرّك أساسي لرؤية 2030، وهي خطّتها الشاملة للتنويع الاقتصادي. ويبرز حدثان عالميان كمحفّزَين: معرض Expo 2030 في الرياض، وكأس العالم لكرة القدم في 2034، ومن المتوقّع أن يولِّد كلاهما طلباً هائلاً على المساكن، المكاتب، المحلّات التجارية، والبنية التحتية. وبالتوازي مع ذلك، فإنّ المشاريع العملاقة مثل مشروعَي «نيوم» و»البحر الأحمر»، تضع الأسُس لمراكز حضرية جديدة كلّياً.
كذلك، أظهر الاستثمار الأجنبي المباشر بعض التقلّبات، إذ انخفضت التدفّقات الداخلة بنحو 15 مليار ريال سعودي في 2024 مقارنةً بعام 2023.
ومع ذلك، تظلّ التوقعات طويلة الأجل متفائلة. وتتوقّع الاستراتيجية الوطنية للاستثمار في المملكة أن يصل الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 388 مليار ريال سعودي بحلول 2030، ما يمثل معدّل نمو سنوي مركّب بنسبة 22%. ولتحقيق ذلك، أدخلت الحكومة سلسلة من الإصلاحات التي تشمل تخفيف قيود المُلكية، تبسيط إجراءات الترخيص، وتشجيع الشراكات بين القطاعَين العام والخاص.
كما تؤدّي الديناميكيات الخاصة بكل قطاع دوراً في المملكة. فسوق المكاتب في الرياض ضيّق للغاية، مع ارتفاع معدّلات الإشغال وارتفاع الإيجارات، مدعوماً بمبادرات حكومية مثل برنامج «المقر الإقليمي».
ويواجه سوق العقارات السكنية فجوة في العرض يتسابق المطوّرون لسدّها، بينما يتطوّر قطاع التجزئة إلى نموذج «ترفيه التجزئة» القائم على التجربة، الذي يمزج بين التسوّق والترفيه. كما تزدهر السياحة والضيافة بفضل إجراءات التأشيرات المبسّطة وتسليط الضوء عالمياً على المشاريع العملاقة، بينما تتوسع البنية التحتية الصناعية، واللوجستية مع الاستثمارات الضخمة في سكك الحديد، والتخزين. على رغم ممّا ذُكِر، لا يمكن تجاهل المخاطر. ففي دبي، تُثير الوتيرة السريعة للنموّ مخاوف من ارتفاع الأسعار بشكل مفرط. وإذا ارتفعت أسعار العقارات بوتيرة أسرع من عائدات الإيجار أو دخل الأسر، فقد تنخفض القدرة على تحمّل التكاليف، ممّا يؤدّي إلى المضاربة بدلاً من الطلب المستدام. ولا يزال فائض المعروض العقاري يشكّل خطراً دائماً آخر، إذ يمكن أن تؤدّي فترات التطوير المتصاعد إلى زيادة المخزون الذي يضغط على الأسعار، وعائدات الإيجار. وقد شهدت دبي مثل هذه الدورات من قبل، وفي حين يبدو أنّ النموّ اليوم أفضل من ذي قبل، إلّا أنّ اليقظة ضرورية.
كذلك، تواجه السعودية تحدّيات مختلفة. فمشاريعها العملاقة الطموحة تتطلّب تدفّقات رأسمالية هائلة، وأيّ تباطؤ في الاستثمار الأجنبي، أو السيولة العالمية قد يُعرِّض الجداول الزمنية إلى الخطر. وينطوي الإعتماد على الأحداث الضخمة مثل «إكسبو 2030» وكأس العالم على مخاطره الخاصة: فبينما تولّد هذه الأحداث طفرات قصيرة الأجل في الطلب، فإنّ الاختبار الحقيقي سيكون ما إذا كانت المدن الجديدة ومراكز الضيافة قادرة على جذب اهتمام مستدام بمجرّد أن تتلاشى الأضواء. كما أنّ زيادة العرض في قطاعَي المكاتب أو البيع بالتجزئة أمر محتمل أيضاً، إذا ما فاق العرضُ الآخذ في التوسع الطلب الأساسي.
تبقى التوترات الجيوسياسية والتقلّبات في أسعار النفط مخاطر شاملة لكِلا السوقَين، نظراً لتأثيرها المستمر على الاستقرار الإقليمي ومعنويات المستثمرين. وفي حين تعمل كلّ من دبي والرياض على فصل نموّهما عن الاعتماد على النفط، إلّا أنّهما ليستا بمعزل تماماً عن الصدمات الخارجية.
هكذا، يمثّل الازدهار العقاري في الخليج مزيجاً من الفرص والحذر. إذ لا يمكن إنكار الفرصة السانحة، لكنّها تتطلّب نهجاً مدروساً يوازن بين الوعد بالعوائد الفورية، والانضباط في الاستدامة على المدى الطويل. إذ يمكن أن تبقى منطقة الخليج واحدة من أكثر الوجهات العقارية ديناميكية في العالم في العقد المقبل.
أمّا إذا أسيئت إدارتها، فإنّ ازدهار اليوم يمكن أن يمهّد الطريق لتصحيح الغد. ستكشف السنوات المقبلة ما إذا كانت أسواق العقارات في المنطقة تقوم على أسس متينة - أو هي مجرّد فقاعة اقتصادية.