تعرف منطقة الخليج بوجه عامّ ودبي والمملكة العربيّة السعوديّة بوجهٍ خاصّ طفرة عقاريّة في الآونة الأخيرة. ويرصد هذا القطاع مليارات الدولارات، وبين السوقين ثمّة مشهد يُعاد تشكيله اقتصاديًّا وحضريًّا. قابلت البيان البروفيسور ندى الملّاح البستانيّ لتحدّثنا عن هذا السوق الذي يعكس تفاؤلًا استثماريًّا ضخمًا، ولكن معه يطرح تساؤلات عن الزخم المنقطع النظير لسوق العقارات في الخليج، وإمكانيّة استمراريّته من عدمها.
- بدايةً، هل لكِ أن تحدّثينا عن المشهد العقاري في إمارة دبي وما مميّزاته اليوم؟
يعرف سوق دبي عمومًا بالمرونة، وكيفيّة التغلّب على الحالة الضبابيّة جيوسياسيًّا، وتُعدّ الإمارة الحالمة ملاذًا آمنًا لرؤوس الأموال العالميّة. فارتفعت في الفترة الأخير أعداد السكّان، ومعهم أعداد السيّاح، وهي أُسس القطاع العقاريّ وازدهاره، وهو ما يُترجم بأداء قياسيّ في الأشهر الستّ الأولى من العام ٢٠٢٥. إذ ارتفعت المعاملات العقاريّة بزيادة الربع، بحوالي ١١٧ مليار دولار أميركيّ، وتؤكّد الاحصائيّات أن حوالى الثلثين من المستثمرين هم من الوافدين الجدد، ونصفهم ممن يحملون الإقامة سابقًا، وكذلك تعرف هذه الاستثمارات حضورًا نسائيًّا ليعزّز تنوّع قاعدة المستثمرين.
إنّ قوّة السوق في دبي مدعومة باستراتيجيّات طويلة الأجل كأجندة دبي الاقتصاديّة، والاستراتيجيّة العقارية للعام ٢٠٣٣، التي تسعى عبرها الإمارة كي تكون من أفضل المدن عالميّة عن طريق الشفافيّة والرقمنة والاستدامة. كما أدى نمو الإمارة إلى خلق إطار عمل يجذب المستثمرين الدوليّين مع دعم الطلب المحلّيّ.
- وماذا عن السوق السعوديّ وما الذي يميّزه؟
يتّسم سوق المملكة العربيّة السعوديّة بالطموح والتحوّل، وهو محور أساسيّ في رؤية المملكة ٢٠٣٠، وخطّتها الاقتصاديّة الكلّيّة. فنحن نعلم أنّ كأس العالم لكرة القدم ٢٠٣٤ ومعرض إكسبو للعام ٢٠٣٠ سيكونان باستضافة السعوديّة، وهما من أبرز الأحداث العالميّة، وكفيلات بإيجاد طلب كبير على البيوت، والمكاتب الإداريّة، والمحالّات، والبنى التحتيّة. من ناحية أخرى، ثمّة استثمارات عملاقة كمشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر، اللذان يشكّلان أسس المراكز الحضريّة الجديدة. وإن شهدت بعض الاستثمارات الأجنبيّة بعض التقلّبات، إلّا أن التوقّعات تبقى متفائلة على المدى طويل الأجل، وترصد التوقّعات أكثر من ١٠٠ مليار دولار أميركيّ لحجم الاستثمار الأجنبيّ المباشر حتّى العام ٢٠٣٠. لذلك، قامت الحكومة بسلسلة من الإصلاحات كتخفيف قيود الملكيّة، وتسهيل التراخيص، والتشجيع على الشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ لتحقيق معدل نموّ سنويّ مركّب يصل إلى ٢٢٪.
- هل يمكن أن تتعمّقي بديناميكيّات هذا السوق؟
تؤدّي الديناميكيّات أدوارًا خاصّة ومتكاملة في السوق السعوديّ، فسوق المكاتب في الرياض ضيق إلى حدّ بعيد، ويرتفع فيه معدّلات الإشغال والإيجارات. ويواجه سوق العقارات السكنيّة فجوة في العرض يتسابق المطورون لسدّها، بينما يتطوّر قطاع التجزئة إلى نموذج ”ترفيه التجزئة“ القائم على المزج بين التسوق والترفيه. كما تزدهر السياحة والضيافة بفضل إجراءات التأشيرات المبسّطة وتسليط الضوء العالميّ على المشاريع العملاقة كالتي ذكرناها سابقًا، بينما تتوسّع البنية التحتيّة الصناعيّة، واللوجستيّة مع الاستثمارات الضخمة في السكك الحديديّة والتخزين.
- وما المخاطر التي يواجهها سوق العقارات في كِلا المكانين مع هذه التطوّرات الواعدة؟
بينما تمثّل هذه الأسواق فرصًا جذابة للمستثمرين، إذ تقدّم دبي الاستقرار والسيولة في سوق شفافة ومعترف بها عالميًّا، وتقدّم المملكة العربية السعودية جاذبية النموّ طويل الأجل المرتبط بالتوسّع الحضريّ، والسياحة والتنوّع. لا يمكن تجاهل المخاطر. إذ تثير الوتيرة السريعة للنموّ مخاوف من ارتفاع الأسعار بشكل مفرط.
فعلى سبيل المثال، إذا ارتفعت أسعار العقارات بوتيرة أسرع من عائدات الإيجار أو دخل الأسر، فقد تنخفض القدرة على تحمّل التكاليف، ممّا يؤدّي إلى المضاربة بدلًا من الطلب المستدام. ويبقى فائض العرض خطرًا ثابتًا آخر، حيث يمكن أن تؤدّي فترات التطوير المحتدمة إلى فائض في المخزون الذي يضغط بدوره على الأسعار وعائدات الإيجار.
وقد شهدت دبي مثل هذه الدورات من قبل، وبينما يبدو أن النموّ اليوم أفضل من ذي قبل، إلّا أنّ اليقظة ضروريّة. كما تواجه المملكة العربيّة السعوديّة تحدّيات مختلفة. فمشاريعها العملاقة الطموحة تتطلّب تدفّقات رأسماليّة ضخمة، وأيّ تباطؤ في الاستثمار الأجنبيّ، أو السيولة العالميّة قد يعرّض الجداول الزمنيّة للخطر. كذلك، ينطوي الاعتماد على الأحداث الضخمة مثل معرض إكسبو وكأس العالم على مخاطره الخاصّة، إذ تولِّد هذه الأحداث طفرات قصيرة الأجل في الطلب.
لذلك، فإنّ الاختبار الحقيقيّ سيكون ما إذا كانت المدن الجديدة، ومراكز الضيافة قادرة على جذب اهتمام مستدام بمجرد أن تتلاشى الأضواء. ومن الممكن أيضًا حدوث فائض في العرض في قطاعيّ المكاتب أو التجزئة إذا كان التوسّع في العرض يفوق الطلب الأساسيّ.
- ختامًا، ما الذي تقولينه للمستثمرين العرب والأجانب في سوق العقارات؟
وتبقى التوترات الجيوسياسية وتقلّبات أسعار النفط من المخاطر الشاملة لكلا السوقين، نظرًا لتأثيرها المستمرّ على الاستقرار الإقليميّ، ومعنويات المستثمرين. وفي حين أنّ دبي والرياض تعملان على فطم نموّهما عن النفط، إلّا أنّهما ليستا بمعزل تمامًا عن الصدمات الخارجيّة. وبالتالي، تمثّل الطفرة العقاريّة الخليجيّة مزيجًا من الفرص والحذر. فالفرصة لا يمكن إنكارها، لكنّها تتطلّب نهجًا مدروسًا يوازن بين الوعود بالعوائد الفوريّة، والانضباط في الاستدامة على المدى الطويل. قد تبقى منطقة الخليج واحدة من أكثر الوجهات العقاريّة ديناميكيّة في العالم في العقد المقبل. هكذا، ستكشف السنوات القادمة ما إذا كانت الأسواق العقاريّة في المنطقة مبنية على أسس متينة أو مجرّد رمال متحرّكة قد تغرق المستثمرين.